ـ ٩ ـ
التخطيط والتطور اللاحق
ستنمو الكوفة فعلا وسيكون نموها موفقا. كان التخطيط الأول بمثابة النواة التي عملت على إملاء الاتجاه الذي سيكون عليه التطور المقبل. إلا أنها كانت نواة شديدة الهيكلة. أن تكون الكوفة نموذجا للأمصار فهذا مما لا يدخله الشك : الأمصار أي ذاك الجيل الأوّل من التجمعات العربية التي قامت خارج بلاد العرب ، فقامت بدور المراكز العسكرية والسكنية الكثيفة ، وكانت قطبا للتعريب في البلاد التي أقيمت بها كما للأسلحة ، ولأسلمة العرب قبل غيرهم. ولكن وفوق هذا ، هل كانت الكوفة نموذجا للمدينة الإسلامية المقبلة كما شكلت مظهرها في العصور التالية ، وكما حافظت عليه إلى حدود زمن قريب منا؟ أي ذلك النمط الأصلي المتعلق بخصوصية المدينة الإسلامية من وراء تنوعها في المكان والزمان؟ هذا سؤال ينبغي طرحه لا محالة بمتضمناته المتعددة. وهذا واحد منها يخص إلى حد بعيد بنية المجال الذي نجتهد محاولين الإحاطة به. لقد أتيح لشكل المدينة العربية المعهود في العصر الذهبي وما تلاه ، أن يظهر بصفة مكثفة وغير منتظمة وملتوية وفوضوية. كان مكتظا بالأزقة والسكك الصغرى الضيقة. فمن كان يتحمل أعظم مسؤولية في هذا التغيير ، أهو التطور التاريخي اللاحق ، أم البنية الأصلية المجالية في المدينة العربية؟ إن ما يهمنا في هذا المقام هو التخطيط الأولي ، فما عسى أن تكون اختلالاته الممكنة؟
الأمر الثابت أن هذا التخطيط كان منتظما أكثر ما يكون الانتظام وكان بمقدوره أن يخلّف حاضرة منشرحة ، هندسية الشكل ، لو وقع الاستمرار في مراقبتها خلال نموها ، كما كان الأمر عند نشأتها ، ولو استمرت تنمو بموجب اتجاهها الأول ، وهو اتجاه الطول ، بمعنى أن يكون هناك امتداد لا نهاية له ، لا أن يكون هناك تكديس. ولا نستبعد أن يكون حدث التطور بالطريقتين معا. فقد تطورت الكوفة في اتجاه الغرب على امتداد كيلومترات كثيرة ، مع العلم أن الناس انهمكوا في ملء النواة الأصلية (المركز والخطط) إلى حد الضغط. ومع