وردت عند پوتي وبلانهول ، حيث لا تتطور المدينة العفوية من العشوائية إلى النظام في هذا المقام ، خلافا للنموذج الاغريقي ـ الروماني ـ الاوروبي. وإذا ما وجدت مدينة منشأة «فإنه يحصل محو لهيئتها الأولية» (١).
من المؤكد أن هذه الرؤية كانت محل مراجعة وتدقيق أحيانا ، مثلا من قبل هنري تيراسHenri Terrasse (٢) ، لكنها ما لبثت أن فرضت شبكتها على بعض التحاليل اللاحقة ، ولا سيما التحاليل الأنجلوسكسونية. لم يقم فون غرونيباوم إلا بإجمال وجهة نظر المدرسة الفرنسية ، مضيفا عليها موافقته المترددة (٣). وقد تجاهلها غويتين Goitein مقرا بأن الفسطاط الذي عمّر فورا زمن الفتوح ، صار مركز إشعاع للتعريب اللغوي كما للمبادلات التجارية (٤). أما البرت حوراني فهو يحاول التخلص من الرؤية القديمة التي تنفي عن الإسلام وجود حياة حضرية حقيقية ، وهو لا يقوم سوى بالتذكير بإشكالية المدن المنشأة والمدن العفوية ، ملطفا من حدتها كثيرا (٥). لكن ما راعنا إلا لاسنر الذي يعتمد فكرة عفوية الأمصار ، ويعرضها عرضا يبدو غريبا من طرف مؤلف أمعن النظر في نشوء بغداد ، لكنّه لم يدرك حقّا كل الإدراك قرابتها من الكوفة الأولى. بل نجده خلافا لذلك يعارض بين نمو الكوفة والبصرة من جهة ونمو بغداد من جهة أخرى (٦). ففي هذه الحالة نكون إزاء مدن
__________________
صفة «الاعتباطي» بالنسبة للمدن المنشأة. الواقع أن ماكس فيبر (Max Weber) عبر عنها تعبيرا تاريخيا أقوى حيث طرح الاسلام الأولي كإسلام محارب وسياسي وجماعي ، خلافا لإسلام العصور التالية حيث تظهر العاطفة الدينية الفردية ، وخلافا أيضا للاسلام في الفترة المكية الذي ينعته بأنه «دين أخلاقي يستهدف النجاة : Econo ـ. mie et socie ? te ? , trad. fr., Plon, ١٧٩١, t. I. p. ٧٩٤ وقد أخذ المستشرقون عن ماكس فيبر تعريفا محددا للغاية لمفهوم المدينة يتوقف عند شخصيتها السياسية الإدارية : M. Weber, La Ville, trad. fr., Paris, ٢٨٩١, pp. ٩٢, ٨٣. ، بحيث تكون المدينة ظاهرة أوروبية محضة وهذا ما انفكّ يوحي به ماكس فيبر.
(١) Planhol ,Art.cit.,p.٥٢١.
(٢) ذكره پوتي : Pauty ,p.٣٥ ,note ٣. ، وهو يرى أن «المعسكر الذي صار مدينة ينتج عنه مدينة منشأة ، إذا بقي تنظيم المعسكر حيا في المدينة».
(٣) Ouvr.cit.,pp.٤٤١ ـ ٥٤١.
(٤) Goitein,» Cairo : an Islamic City in the light of the Geniza documents «, dans Lapidus, Middle Eastern Cities, pp. ١٨ ـ ٢٨.
(٥) A. Hourani,» The Islamic City in the light of recent research «, dans The Islamic City, p. ٠١. وهو يلخص نظريات پوتي جاعلا من الطابع العفوي للمدينة الإسلامية انتصارا لقوى الاستمرارية في المجتمع على الحكم الزائل. والملاحظ أن لابيدوس اعتمد إنكار الطابع الاسلامي للمدينة الاسلاميةLapidus ,op.cit.,.p.٤٧.
(٦)» The Caliph\'s personal domain «,p.٣٠١. وقد أعاد نشره مع بعض التعديلات الطفيفة في : Topography of Baghdad in the early Middle Ages, p. ٨٣١.