لتعيش بدونها (١). وفي بابل ذاتها وفي المدينة من النمط البابلي عموما ، عناصر تشبه أحيانا ما نجده بالكوفة ، وتشبه أحيانا أخرى ما يوجد بالبصرة وببغداد ، وذلك على مستويين ، المستوى الطبوغرافي ومستوى الوظيفة المدنية ، حسب مراحل زمنية متوالية. لقد ثبت مثلا وجود البنية المثلثة ـ أي المدينة والربض والرصيف (٢) بالنسبة للبصرة خاصة ، حتى القرن الثالث / التاسع تقريبا. وخلافا لذلك ، فإن عرض الشوارع ، والتخطيط حسب الاتجاهات الأربعة ، واستقامته ، تظهر بوضوح أكبر ضمن المقارنة بالكوفة الأولية التي يمكن مقابلتها عند ذلك بالمرحلة الأولى من تطور الحاضرة البابلية (٣).
إن بابل التي وصفها هيرودوتس مندمجة فعلا بالامبراطورية الاخمينية ، لكن هذا لم يمنعها من الظهور بمظهر الوريثة للحضارة الشرقية القديمة ، قبل أن يقضي عليها أرتحششتا. Ataxerxe ? s ولا بد أنها حافظت على أهم الخاصيات التي كانت لها في عصر نبوخذ نصّر. ويتجه التفكير إليها حين نشير إلى نمط المدينة الشرقية بغية مقابلتها بنمط المدينة اليونانية الذي روجه الغزو المقدوني (٤). ويرجع إلى بابل أو المدن التابعة لها ـ سبار وارك لكي تتاح المقارنات الانطباعية بالمدينة الاسلامية المقبلة كالتواء السكك المعزو إلى عنف الشمس ومشكلة الأسواق ، لكن دون أن نعرف هل كان هذا تشابها أساسيا أم هو استعادة للعناصر الوظيفية نفسها. إن بابل مثلث في آخر أيام مجدها النقطة الأكثر هيكلة في الامبراطورية الاخمينية (٥) ، فضلا عن أنها تقمصت مع مصر أرقى شكل حضاري. وعلى الرغم من التغييرات الكثيرة التي جدت في عصر الفرس ـ مثلا في القانون الجنائي والمدني ـ فقد بقي الهيكل الاقتصادي الاجتماعي جيد التأطير ، وقام عليه الكهنة ورجال الدواوين والتجار والصيارفة. وقد أشرفوا على كتلة الفلاحين المستغلين الرازحين على أرض بابل بالذات. واستمرت التجارة الكبرى على ما هي عليه. لقد كان النموذج البابلي مشعا إلى حد بعيد على مدن بلاد الرافدين في الشمال وعلى الشام ، بفضل جاذبيته الحضارية ، وأساليبه المصرفية وحركيته التجارية ، فكان يضع سمته على بنية المنظر المدني ، كما حصل في كركوك مثلا (٦).
__________________
(١). Pigulevskaja, pp. ١٣ ـ ٣٣, ٩٣ ـ ٧٤; Cambridge Ancient History, VI, pp. ١٩٤ ـ ٢٩٤. يشك أوپنهايم فقط في صحة هذا التصور إلى حد ما : Mesopotamie ,p.٢٤١ ولا سيما في :.Middle Eastern Cities ,p.٦ : يبقى المعبد المركز الاقتصادي الكبير.
(٢) Oppenheim» Mesopotomia ,land of many cities «, في Lapidus ,op.cit.,p.٦. :
(٣) Oppenheim, Ouvr. cit., pp. ٩٤١ ـ ٠٥١; Mumford, p. ٠٠١; Albert Champdor; Babylone, Paris, ٧٥٩١, p. ٥٦.
(٤) Rostovtzeff ,I ,pp.٧٢٤ ,٥٣٤ ;II ,pp.٥٤٠١ ff.
(٥) Idem ,I ,pp.٨٧ ـ ١٨.
(٦) Pigulevskaja ,pp.٤٤ ff.Rostovtzeff ,I ,p.٩٧. ؛ ويرى أوپنهايم أنه من المناسب أن نعارض بين النموذج