ـ ٢ ـ
من الأيام إلى القادسية
انطلق الفتح العربي في مثل هذه الظروف غير الملائمة للفرس إطلاقا. وقد ارتكب الساسانيون خطأ كبيرا. ذلك أنهم لم يتفطنوا إلى تقييم ما كان يجدّ في بلاد العرب ، كما أنهم لم يتغلبوا على الشعور بالمناعة الذي قضى عليهم في النهاية.
الأيام
بينما كانت تدور حروب الردة ـ وقد كانت مدرسة تعلم فيها العرب الحرب تعلما ممتازا (١) ـ بلغ إلى علم بني شيبان أن مملكة فارس كانت في أزمة خلافة ، فخططوا للقيام بغارات كبيرة على السواد (٢). وأراد المثنّى ، سيّدهم ، ربط هذه العملية بالإسلام : كان الجزء الذي يتبعه من بكر في طريق الأسلمة ولا سيما أنه بقي وفيا للدين خلال حروب الردة. وعمل المثنى من أجل إكساب وضعه صبغة شرعية ، فطلب الإذن من أبي بكر ، لكن بعد انطلاق العملية. وتدخل خالد بن الوليد في هذا الظرف إذ كان قريب العهد بالانتصار على حنيفة في معركة عقرباء. فلا مفر من تفسير ذلك بأن السلطة في المدينة أرادت استرجاع المبادرة التي قامت بها قبيلة بكر ، وحصرها ، وحتى تسييرها. وأذن أبو بكر للمثنى بالتحرك ، لكنه عمل على إعلام خالد بالأمر ، وأمره بالانضمام إلى المثنى وقيادة العملية كلها. فنشأت عن هذا الإتصال «أيام» سنة ١٢ ه ، التي كانت منطلقا لسيطرة العرب على العراق ، ثم على الممتلكات الساسانية كلها في فترة لاحقة.
هل اغتاظ المثنى من قدوم خالد؟ «وكره المثنى ورود خالد عليه وكان ظن أن أبا بكر
__________________
(١) ذلك ما لا حظه نابليون : راجع : Norman Daniel ;Islam ,Europe and Empire ,p.٩٢.
(٢) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٣٤٤ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٤٢ ؛ الدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١١١.