الأغريق والمقدونيين والشاميين واليهود والبابليين المنقولين. وقد توفرت لها الأجهزة الأساسية الخاصة بالمدينة الأغريقيةPolis في إطار المملكة الهلينية ، وهي فوق ذلك تجسد وترمز أكثر من أية مدينة أخرى ، إلى مفهوم المدينة كنقطة لارتكاز أية هيمنة أجنبية. وذلك لأنها منشأة شبه معزولة في محيط شرقي صميم ، باستثناء السوس التي كانت بعيدة عن المركز ، وبابل في عصر أنطيوكوس ابيفانوس. ومع أن بلاد الرافدين كانت إحدى الولايات المركزية في امبراطورية السلوقيين ، ومع أنها كانت مقرا لسلوقية ذاتها ، فإنها لم تقبل التأثير الهليني بالقوة نفسها التي كانت له في الشام. لكن لا مجال لنكران بقائه مدة طويلة ، أو نكران آثاره في عصر البارثيين.
وقد اعتبر البحث التاريخي الغربي مدة طويلة أن الهلينية المنتقلة إلى الشرق حتى خراسان كانت حركة «تحضيرية» قوية أخرجت آسيا الصغرى من همجيتها كما أخرجت الشرق من وضعه البالي. إن الأغراض العزيزة على الامبريالية الأوروبية في القرن التاسع عشر تكاد توجد كلها عند مؤرخين من صنف سانفوردSanford (١) وجونز بالخصوص ، وقد أسقطت على ماض يبعد عشرين قرنا. وهي الهلينية كمبدأ ثقافي فتي حديث متفوق ، وفكرة مثاقفة الأهالي ، واستكمال مؤسسة البوليس (المدينة) ، الخ ... (٢). وبذلك تكون هذه الهلينية معادلة للحضارة الأوروبية المنتصرة.
وقد اتسم قول روستوقتسيف Rostovtzeff بهدوء أكبر ، مع أنه لم يستخدم مثل سابقيه إلا المصادر اليونانية والرومانية وهو ما ندّدت به بيغولفسكاياN.Pigulevskaja (٣). ومع أن روستوقتسيف اطلع على نتائج حفريات Doura ـ Europos ، فهو يعترف بالجهل الذي نتخبط فيه إزاء حركتي انتشار الهلينية والتمدين ، وقد أقحم بشدة التمييز بين المدينة الشرقية والمدينة اليونانية ، معترفا بعد هذا بوجود تشابهات بينهما لا يمكن تفسيرها (٤). إن هذا التحفظ الأخير أساسي وهو يخفّف من حدة المعارضة بين الشرق والهلينية. ففي مستوى الطبوغرافيا بداية حيث توجد هنا وهناك الغاية التنظيمية نفسها ، ثم في مستوى المؤسسات حيث يسلّم بدرجة معينة من الاستقلال للمدينة الشرقية ، وقد بات الأمر مقبولا عادة
__________________
Pauly ـ Wissowa ، فلم يشر إلى سلوقية إلا بصورة طفيفة.
(١) Sanford, The Mediterranean World in Ancient Times, N. Y., ٨٣٩١.
(٢) The Greek City.,pp.٢٣ ـ ٧٣ ,٩٣ ـ ٣٤.
(٣) Ibid.,p.٠٢.
(٤) Ouvr.Cit.,II ,pp.٥٤٠١ ـ ٢٥٠١.