فنجد الرحبة تقابل الأغورا الهلينية التي حافظ عليها الحضور البيزنطي.
وهكذا نصل إلى فكرة الالتحام المعماري ، إلى لغة مشتركة نجدها في الحجر أو الآجر نشأت في العالم القديم كله. وعندئذ ، إذا كان نموذج الدار العربية اللاحقة بابلي الأصل ، فيمكن القول أنه هليني لأنه غطى إلى حد بعيد المساحة الهلينستية. مثله مثل القوس الذي انتقل بعد الإسكندر ، من بلاد الرافدين إلى قلب العالم اليوناني. وكالآجر ذاته الذي عرف طريقه إلى الشام ، فيما الشام بلد الحجر أصلا وأساسا (١).
فارس وروما وبيزنطة
الحقيقة الواضحة التي ينبغي التذكير بها دائما ، أن الانساق الحضرية تتبادل التأثير وأن ليس هناك نسق مدني بحت. فهل انتظام المخطط ظاهرة شرقية أم ظاهرة هلينية ، أو على الأقرب مجرد خاصية لكل مدينة تنشأ دفعة واحدة؟ سؤالان ينبغي طرحهما قبل أن تصبح الكوفة إمّا حاضرة شرقية وإما حاضرة هلينية. نجد بمصر القديمة مخططات مشبكة فيها شوارع رئيسة تقطعها شوارع ثانوية. ومن الممكن أن هذا الرسم هاجر إلى الشام ، وتواجد مع رسوم أخرى ، واستمر في النشاط بمكان آخر ، ثم رجع إلى مصادره بعد أن دخله التغيير. ومن الوجهة المعمارية ، «إذا كانت فكرة ال olis استمدت شيئا من تجمع الدور حول القصور المسّينية» (٢) ، فلعل انتظامها اللاحق صدر عن اتصالات بعالم الأناضول أجرتها اليونان. لكنّ أثينا مثل روما ، احتفظت بتشكل متراكم فوضوي استمدته من أصولها (٣). وهو يتميز من مظهر الحواضر الهلينية التي تغذت من مهد المؤثرات الأناضولية.
فمن المناسب ألا نبالغ في عمل هيبوداموس الرائد الذي لم يعمل إلا على استكمال تقليد معماري وجده في المكان نفسه ، حتى في عمله الممتاز الذي هوPriene (٤). وما يلفت النظر أن الأغريق والرومان لم يبنوا مدنهم النموذجية إلا في المستعمرات ، تلك الحواضر المنتظمة المنسقة (٥). ذلك إما لأنهم تمكنوا في الخارج من استيعاب أسهل للتقاليد الأجنبية ، وإما لأن صورة المعسكر كانت عالقة بهم فيما يخص الرومان ، وإما لأن كل خلق جديد
__________________
(١) The Cambridge ـ ـ ـ ,VI ,pp.٨٥٥ ff.
(٢) Luigi Paretti ,History of Mankind ,III ,١ ,p.٧٧١.
(٣) Mumford ,p.٨٥٢.
(٤) Le ? on Homo ,Ouvr.cit.,p.٩٢ ؛ يرى أريسطو أن هيبوداموس هو الذي أبدع تقسيم المدن.Aristote ,.Politique ,II ,chap.٨
(٥) Ibid.,pp.٦٢ ff.