الدوام ، الا وهي العرق واللغة وحياة الترحال ، هم بالتأكيد الذين عربوا شبه الجزيرة. لقد ترجمت الرواية العربية عن الغربة الترابية بمفهوم لغوي ، وبعكس المعطيات جعلت من السابقين للعرب عربا أوائل ، وأحسن من ذلك لقد جعلت منهم العرب الحقيقيين الماسكين باللغة في حين أصبح العرب أنفسهم برابرة تلقوا هذه اللغة من الأوائل بوحي إلهي (١) (عن طريق اسماعيل) أو بالتلقين مع وجود فكرة خفية توحي بالانفصام العرقي. ولذا فبما أن السكان الأصليين كانوا السكان الأولين لما سوف يصبح «أرض العرب» بصورة ممتازة بمعنى إفرازها الأصيل ، فإن القادمين الجدد من العرب منحوهم العروبة الحقة ، عروبة العرق واللغة ، وبذلك فقد قاموا بنقل الأصالة الترابية إلى الأصالة اللغوية مزيفين هويتهم العربية ذاتها التي كانت حقيقية وحدها. ولا يمكن في التحليل الأخير اعتبار العرب العاربة من العرب الأوائل ، إلا إذا قبلنا بوجود هجرة أولى ، ذلك أن هذه التسمية ينبغي أن تنطبق على العرب الأولين أو على المهاجرين وأجدادهم وأقاربهم القادمين من الخارج أي من الشمال حيث وجدت آثار لذلك بالنقوش المسمارية.
لقد ذكر علماء الأنساب أن مخلفات السابقين للعرب أي العاربة انصهرت في العرب الأوائل المستعربة (٢). فقد تعرّبوا وفقدوا في الوقت نفسه هويتهم الجماعية وبالصورة نفسها استثنى أولئك النسابون قحطان أقدم جد لليمنيين ، واحتفظوا بكهلان جد البدو أي عرب اليمن كعنصر من ذرية اسماعيل (٣) ومن العرب المستعربة ، لكن يعتبرونه أحيانا من العرب العاربة (٤). وعلى هذا ، ففي الإمكان المخاطرة بفرضية مفادها أن اليمنية الأصليين لم يكونوا عربا عريقين لغويا وأنه ينبغي اعتبارهم بقايا للسكان الأصليين في شبه الجزيرة (٥) ، أي من
__________________
«, Arabica, I, ٣٦٩١, p. ٩
(١) ابن سعد في الطبقات ، ج ١ ، ص ٥٠ يقول ان اسماعيل كان أول من تكلم العربية إذ كان القوم يتكلمون العبرية قبل ظهور الأنبياء ؛ راجع المروج ، ج ٢ ، ص ١٩٣ ـ ١٩٤. ويرى ابن خلدون ، التاريخ ، ج ٢ ، ص ٤٦ ـ ٤٧ ، أن قحطان كان أول من تكلم نقلا عن جرهم ، وهو يدعو جرهم العرب العاربة أو الجيل الأول ، واليمنية المستعربة أو الجيل الثاني ، وأبناء اسماعيل الجيل الثالث أو «العرب التابعة للعرب» ؛ راجع الأزرقي ، ج ١ ، ص ٨٦.
(٢) المروج ، ج ٢ ، ص ١٦٧.
(٣) جمهرة ، ص ٧.
(٤) رأي أبداه مؤلف مادة «جزيرة العرب» ، في :.E.I. / ٢.
(٥) يقول فون غرونباوم : «لما يشعر عرب الشمال في العصر الجاهلي بتمييزهم عن عرب الجنوب ، فإن هذا الشعور يعكس الفرق الحالي في المسكن واللغة والدين وربما في العرق» art.cit.,p.٨ لكن إذا أمكن لنا مجاراته في تقدير مفاده أن العرب البائدة يمكن تمثلهم بالسكان الأصليين يعني الأهالي [ص ٩ من البحث المذكور] فليس صحيحا أن الرواية العربية اعتبرتهم بصفة عامة من اليمنية. راجع أيضا.Chelhod ,ouvr.cit.,I ,p.١٣ أما عن الحضور البشري في العصر الحجري القديم والحديث ، فراجع بحث Roger de Bayle des Hermens في Chelhod ,ouvr.cit.,p.٥٨١ ff.