والإمارات ، والدول التابعة للثموديين (١) واللحيانيين قرب العلاء والحجر ، ودول النبطيين قرب الحجر وبصرى وصلخد والبتراء بالخصوص. والنبطيون هم الذين ضبطوا اللغة بواسطة الكتابة.
إن المطابقة بين مفهوم عرب وترحل لا يفسر فقط بوجود صلة في الواقع ، بل بواقع وتمثل تاريخيين يضربان بعيدا جدا في الماضي. وقد تأيدت هذه المخلفات بكون أكثرية العرب المتميزين لغويا سواء أكان ذلك في شبه الجزيرة أم في جنوب الشام ، تمادوا في توخي نمط عيش الترحل. ولا شك أنهم استوعبوا كل أولئك الذين كانوا رحلا مثلهم من بين الأعراق الأخرى ، فكان كل مترحل يتعرب لغويا وينضم إلى الإطار القبلي. وبقيت القبيلة ونمط العيش الرعوي يحتلان الأولوية بالنسبة للمدينة. وكانا يصوغان بشدة الذهنيات والقيم ، وكانت المدينة تظهر في نظر العرب بمثابة الظاهرة المكتسبة الاستثنائية. وهي تفقد الشخص عروبته إذ تخلصه من بداوته. وهي تصنف المجموعة المدنية في إطار النماذج الخارجية ، وتغير من الذهنيات ، لكن القيم قليلا ما تتغير عموما إلا ببطء ، وتبقى اللغة طول الوقت ، ينتابها بعض التغيير. وهذا من شأنه أن يفسر الثنائية البارزة باليمن بين «احمور» و «عرب» ، وتواجدهما لا محالة ضمن وحدة قبلية فريدة ، هذا في حال ما إذا لم نقبل بالفارق العرقي الأصلي. وهو أيضا ما يوضح التعارض بين قريش من جهة ومجموع القبائل أو العرب (٢) أو بين المهاجرين والأنصار والأعراب. تجري الأمور وكأن المدينة تفرز هوية جديدة ، هوية ثمودية وهوية الانباط ، وهوية اليمن بأنواعه ، وهوية قريش كما هوية «أهل القرى» ، وبعد ذلك هوية أهل الكوفة وأهل البصرة. لكن هذه الهوية الجديدة تندمج في هوية أوسع هي هوية اللغة والدين والقيم. وهي تزيد اتضاحا كلما اقتربنا من ظهور الإسلام. ومن المتناقضات أنها هوية شديدة القوة ، فهي من أقوى الهويات التي ظهرت في التاريخ ، وكثيرة الضعف ، سريعة التفتت في آن. وهو أمر يعود إلى أن الواقع الموضوعي لهذه الهوية العربية الواضحة المتأكدة العنيدة ، لا يجد صدى في شعور مؤكّد بالذات. إن الترحل نمط عيش خصوصيته مفرطة بالنظر للنموذج القروي المدني للحضارات المستقرة المهيمنة على صعيد التاريخ. وهو ذاته مبدأ ثقافي بالمعنى الأنثروبولوجي خاضع ، مكيف بالطبيعة ، وغير خاضع للعالم التاريخي ، وهو ما يفسر مقاومته وهامشيته الأساسيتين.
__________________
(١) Ibid.,pp.٦٨١ ـ ٧٨١ ؛ وكذلك كاسكل :» The Beduinization of Arabia «في : Studies in.Islamic Cultural History ورد ذكر مدينة الحجر في القرآن صراحة (سورة الحجر ٨٠).
(٢) راجع مثلا الجاحظ «كتاب البلدان» ، ص ٤٦٦ ، حيث نجد قريشا من جهة والعرب جميعا من جهة أخرى في موازاة أو تعارض.