وبظهور الإسلام ، دخل اليمن في الدين بصورة طبيعية. وهكذا يظهر البعد القومي ـ الثقافي للإسلام ظهورا قويا. وكذلك الأمر بالنسبة لاستعداد اليمنيين والعرب الدائرين في فلك الشام ، أي ورثة الحضارة المدنية ، للدخول في المشروع الديني والتاريخي للأقرباء الذين كانوا سابقا رحّلا وسط بلاد العرب ، وللتعايش مع أبناء القبائل الكبرى الضاعنة سالفا والتي أصبحت ممدنة ، وذلك في الكوفة والبصرة والشام. وهذا دليل على الاستعداد الاستثنائي للوحدة في عالم بلاد العرب قاطبة عند ظهور الإسلام ، حيث نضج هذا التأهل خلال ألف سنة من التاريخ. لكن ذلك يعني على صعيد التجربة المدنية ، أن العرب أصبحوا يتبادلون التدرّب بحيث يمكن الحديث بالنسبة لهذه الألفية ، عن تجربة عربية للمدينة ، على الرغم من التجزيئات المكانية والزمنية. إن التدفقات الحضارية الخارجية جرى استيعابها في الشام ، ثم انتقلت إلى اليمن ، ومن اليمن إلى الشام رجوعا ، ومنهما معا إلى الحجاز. لكن وفضلا عن ذلك ، وعلى الرغم من هذا التضامن الذي التحمت به المناطق المختلفة لبلاد العرب ، فإنه يمكن ويجب الحديث عن تجارب نوعية ، لأن المدينة تعبير عن التربة ، وعن تقليد خفي ، وعن إرث ثقافي إقليمي محلي وهي الصورة المحلّية للرؤية الكونية والتجربة التاريخية والسياسية والاجتماعية. إن العلاقة بالخارج لا تمر عبر رشح الثقافة الشقيقة فحسب ، لكن أيضا بواسطة الاقتباس المباشر ، كما هي حال اليمن في علاقته بالهلينية. وما يكون في المقام الأخير ليس دائما تراكما لماض طويل ، لوجود جانب كبير من الحذف والخلق والتكيف مع الواقع المكاني والزمني. وفي الجملة ، فإذا كان لا يمكن تصور مكة بدون هذا الماضي فهي ليست تتويجا أو تراكما. لقد تطورت مدن الحجاز ارتباطا بالانهيار اليمني ، وارتباطا بالموت البطيء أو العنيف الذي نزل على المدن العربية القوافلية بحواشي الشام ، وكان لها أن تقتبس الكثير من هنا وهناك. لكنها بقيت أساسا نتيجة للعالم الخاص بها ، عالم وسط بلاد العرب ، والحجاز بصورة أدق.
إن أقدم المصطلحات العربية تعبّر عن مفهوم المدينة بكلمة قرية ، لا بكلمة مدينة أو مصر. وكلمة قرية يعبر عنها في الفينيقية بقرت ، وفي العبرية بقيرات ، وبالسريانية بQere ? (١) ، ويقابلها باليمنية كلمة قريبة جدا من العربية وهي قرية (٢) وقد استعملها القرآن مرارا في المفرد والمثنى والجمع دلالة إما على المدينة عامة (٣) ، وإمّا على مدينة معينة
__________________
(١) A.N.al ـ Wohaibi ,art.» Karya «,E.I. / ٢.
(٢) لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ١٧٧ وما بعدها.
(٣) القرآن ، سورة الأنفال ، ١٦ ، سورة الزخرف ، ٢٣ ، سورة سبأ ، ٣٤. لكن بالنسبة لسبأ استعملت كلمة بلدة ، سورة سبأ ، ١٥. ولا يتعلق الأمر بمجموعة من الأهالي المستقرين كما ادعى لامنس) Lammens, La. cite ? arabe de Ta\'if, p. ٣٨١ (