مكة
كانت مكة «أم القرى» (١) ويعني ذلك حرفيا أم المدن. وقد سميت يثرب كذلك «أم القرى» الملتصقة بها (٢). ويدل هذا المفهوم على المركزية والتفوق. من الممكن أن تكون مكة قد مثلت نواة لتجمع تجاورت فيه البلدات والأرباض والمنشآت المستقرة المحيطة المرتبطة بالمعابد. ومن الممكن أيضا أن عبارة «أم القرى» ترمز إلى التفوق على مدن غربي بلاد العرب وتدل على فكرة المركز الذي يتجه إليه الجميع (٣).
هناك عدة خاصيات ترسم فورا شخصية مكة. فهي حرم أو بالأحرى تقع في حرم. وهي مقر للكعبة. وتتم شعائر الحج المقدس حولها لا بداخلها وهي الشعائر التي يجب تفريقها عن العبادة المخصصة للبيت (٤) المكّي الصرف والمركّز على الكعبة. هذا اتجاه ديني مميز مهم ومؤثر ، ولا شك أنه يسبق البقية ويسيطر عليها ، أي الإقامة المدنية والنشاط التجاري. والملاحظ أن مكة بصفتها مدينة ، أنشئت حقا أو تشكلت مع بروز دور القرشيين وبفضل ما قام به قصيّ من عمل ، وهو شخصية تقع بين الأسطورة والواقع التاريخي. إن قريشا بصفتها مجموعة بشرية شديدة التماسك ، وكشخص جماعي ـ لا يقال بنو قريش أبدا ـ تمثل روح هذه المدينة. فإذا كان الحرم المكان المقدس الواسع ـ ٦٠ كيلومترا في ٢٠ كيلومترا في أقصى امتداد له ـ (٥) هو الذي يسيطر على المجموع ويحيط به ، فإن مكة بالذات تمثل مجالا مدنيا ماديا متميزا ، مع بيتها الخاص بها أي الكعبة. وقد منحت قريش لمكة الشخصية المعنوية ، فجعلت منها مدينة بالمعنى المؤسسي ، ذات هوية متميزة بقوة فائقة.
لقد كتبت أبحاث مفيدة جدا منذ عشرين سنة عن مفهوم الحرم (٦) والمقصود به أرض
__________________
(١) لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ١٧٨.
(٢) السمهودي ، وفاء ، ج ١ ، ص ٨ وما بعدها.
(٣) لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ١٧٨ ، يفسر ذلك بأن «أهل القرى يؤمونها أي يتجهون إليها». لكن عبارة «أم الكتاب» تعني في القرآن ، سورة الزخرف ، ٤ ، نواة الكتاب وقلبه.
(٤) الأزرقي ، ج ١ ، ص ١٢٦ ؛ ياقوت ج ٥ ، ص ١٨١ ؛.Kister ,Mecca and Tamim ,p.٩٣١.
(٥) الأزرقي ، ج ٢ ، ص ٦٢ ، ١٣٠ ؛ السيرة ، ص ١١٨ ؛ معجم البلدان ج ٢ ، ص ٢٤٤ وما بعدها.
(٦) انظر ما سبق : أبحاث Kister ,Serjeant و.Nagel