لم يشكل وحدة زمنية كبيرة لأن الأجهزة الأساسية لم تتغير ولأن المناخ الحضاري نفسه كان يحيط بالمدينة. لكن أدخل العباسيون الأوائل تغييرات جزئية كثيرة تبرر لا محالة الانفصام الذي أكده علم الآثار بالنسبة للقصر ، على الرغم من استحالة تقديم تاريخ دقيق يحدد بداية الطور العباسي (١).
أصبحت الكوفة بعد هذه التغييرات ، مجموعة مدن أميرية تحيط بحاضرة مدنية مركزية كبرى : مدينة ابن هبيرة ، والهاشمية شرقا ، والرصافة إلى الجنوب الغربي ، والكوفة الحقيقية بالمركز (٢) ، في حين أن الكوفة بقيت وحدة مدنية إلى نهاية العصر الأموي.
ومن المعلوم أن أوائل المؤرخين الذين تحدثوا عن الكوفة ، ألفوا كتبهم في العصر العباسي ، سواء كان سيف أو أبو مخنف (٣) ، أو اليعقوبي والبلاذري بعد ذلك. وقد داخلتنا الحيرة مما كتبه المؤلفان الأولان (٤) إذ كانا مخضرمين عاشا العصرين ، واعتمدا أحيانا التغييرات الطارئة على الطوبوغرافيا وذكرا ذلك (٥) ، وشعورنا مع ذلك أنهما يصفان الكوفة العباسية (٦) بعد أن اقتصرا على زيادة بعض الاحتياطات حتى يكون الأمر مقبولا.
يبقى الموضوع صعبا إلى أقصى حد لو رمنا التوفيق بين ما ذكرته هذه المصادر الأربعة الرئيسة ، نعني سيفا والتخطيط الأولي الذي عرضه علينا ، وأبا مخنف الذي يرسم إطارا
__________________
(١) يمكن تحديد نهاية العصر العباسي الأول بسنة ٢٠٠ ه. تقريبا :: Mustafa ,art.cit.,p.٣٦ شيد القصر العباسي بعد هدم القصر الأموي.
(٢) الطبري ، ج ٧ ، ص ٦١٤ وما بعدها ؛ البلاذري ، ص ٢٨٥.
(٣) مات أبو مخنف في ١٥٧ ه. ويرى ماسينيون ، art.cit.,p.٥٤ ، أن روايات أبي مخنف تشتمل على أسماء مكان صبغتها إيرانية (مثلا لحّام جرير). وتؤرخ هذه الصبغة إلى ما بعد عام ١٣٢ ه. «كتب أبو مخنف رواية الأحداث بعد سنة ١٣٢ ه ، بعد أن نقح أسماء المكان».
(٤) اتهم ريتميير سيفا بأنه أسقط على الماضي معلومات من عصره الذي هو العصر العباسي : ouvr.cit.,pp.٤٣ ـ ٥٣ ؛ راجع أيضا :.Wellhausen ,Skizzen ـ ـ ـ VI ,pp.٣ ـ ٧
(٥) مثلا : «تركناه قد نزل عند مسجد القصّاص ، يعنون مسجد أبي داود في وادعة ، وكان يعتاده رجال أهل ذلك الزمان يقصّون فيه». أبو مخنف في تاريخ الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٨. يقصد عصر المختار بقوله : «في ذلك الزمان».
(٦) أشار أبو مخنف إلى سكة البريد خلال ثورة زيد حيث قال إنها كانت تمر قرب ديار أرحب وشاكر ، وعشائر همدان التي أقامت في الشمال : الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٦. فهل كان يعني سكة البريد المتجهة إلى دمشق أم تلك التي وجهتها بغداد؟ أما البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٨٤ ، فيحدد موضع السكة بالكنيسة القديمة الراجعة لأم خالد القسري ، وكأن الأمر يتعلق بفتح سكة جديدة. يمكن القول إن أبا مخنف يشير إلى السكة العباسية. ثم لماذا يستخدم كثيرا عبارة «دخل الكوفة» أو «خرج من الكوفة»؟ كما ورد عند الطبري مثلا ، ج ٦ ، ٢٩ : «حتى يدخل الكوفة من قبل الكناسة» ، كأن الكوفة محاطة بحزام وكأن الكناسة كانت تقع خارج هذا الحزام في عصر المختار.