ـ ١٦ ـ
التمدّن والتنظيم
الأمر المؤكد أن زيادا أعطى الكوفة نواة معمارية لكننا لا نكاد نعلم شيئا عن عمله فيما يتعلق بالطوبوغرافيا المدنية خاصة ، والمرجح أن الكوفة بدأت تشكل مركزا مدنيا حقيقيا ابتداء من المغيرة وزياد. وكانت النواة المعمارية عنصرا يدفع بالكيان المدني إلى الأمام ، ويطبعه بنموذجه المعماري والزخرفي. وقد أشار البلاذري (١) من جهة أخرى إلى أن العمال غمروا المركز العمومي ببناءاتهم الخاصة مضيقين بذلك من رقعة الأماكن الشاغرة ، وقد جرى ذلك في بداية العصر المذكور وبمبادرة من عمرو بن حريث ـ الذي تولى الكوفة نيابة عن زياد. واتخذ زياد آخر الأمر مقررات مهمة فيما يتعلق بمراجعة التنظيم العسكري والإداري للمصر. واعتنى ذلك التنظيم بإعادة تجميع الوحدات القبلية. وليس مستبعدا أنه كان لتلك المقررات تأثير على طوبوغرافية الخطط. تمثل عمل زياد ، وبصفة عامة ما جدّ خلال العشرين سنة التي قضاها معاوية في الخلافة (٤١ ـ ٦٠) ، في تحديد أسس الترتيب العام ، وإشاعة الاستقرار وإدخال التحويرات الضرورية أكثر مما تمثل في اتخاذ قرارات واضحة وأعمال معينة كتلك التي اهتمت بإعادة بناء القصر والمسجد وتلك التي نسبت بعد ذلك إلى خالد القسري (١٠٥ ـ ١٢٠ ه) بخصوص بناء الأسواق بناء منظما. وقد تحقق التحول الطارىء على الكوفة بين سنة ٥٠ و ١٠٠ أو ١٢٠ ه ، فكان تحولا صامتا بصفة عامة ، وقد تميز بمراحل بارزة منها ولاية زياد تحديدا ، ولا ريب أن الأمر كان كذلك في ولاية الحجاج والقسري. ومن المعلوم أن الأمر مؤكد لا مراء فيه بالنسبة للنواة ، لكن المرجّح أن الأمر كان كذلك بالنسبة لبقية المدينة.
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦.