ـ ١٧ ـ
الكشف عن الكوفة :
ثورة المختار
(٦٦ ـ ٦٧ ه / ٦٨٥ ـ ٦٨٦ م)
وجدت لحظات قوية سابقة أثرت على الكوفة (١٧ ه و ٣٧ ه و ٥٠ ـ ٥٣ ه) وظهرت أوقات أخرى في فترة لا حقة ، استكملت غرضها نسبيا ، أو أنها اتسعت خارج المجال المدني ذاته ، خلال ولاية ابن هبيرة والقسري خاصة. لكن يبدو أن هذه الفترة التي أتت بعد زياد إلى ثورة ابن الأشعث والتي استمرت خمسا وعشرين سنة (من ٥٣ إلى ٨٠ ه) حيث استقر النسق الاجتماعي على الرغم من الأزمات السياسية ، كانت فترة طويلة صلّبت خلالها المدينة خاصياتها واكتست مظهر الرشد. فقد تشكلت فيها الكوفة الأموية بصورة جعلت خاصياتها معروفة مدة طويلة ، باستثناء بعض الجزئيات.
سدّت الثلمات في كل مكان دون أن تمحى البنية الأصلية لطرق المرور وبالمحافظة على المجالات الخالية. فتكثف السكن وضاقت الشوارع الكثيرة ونزعت إلى أسلوب المتاهة ، وأقرّت الجموع القبلية التي أغفلها التخطيط الأول ، ولم تمنع كل هذه الأمور أن تبقى الطرق الكبرى الأولى ، كما استمرت الخطط ، فبقيت في الجملة الكوفة الهندسية وبنيتها الثنائية. فما هي أجهزتها الأصلية؟ الجامع والقصر المحصن ، حيث اتجه كل شيء إليهما ، والرحبة التي تمّ تجاوزها بصفة متفاوتة في الشمال والغرب ، والأسواق المختصة نسبيا والمستقرة شرقي المساحة المركزية والتي لم تكن مبنية بل كانت قائمة بصورة مؤقتة وقد غطتها الحصر التي كانت على قضبان أو أنابيب من حديد أو من قصب ، وقد عمرت الدور المجال الجنوبي. وخلف ذلك تبدأ الطرق الكبرى الفاصلة بين الخطط التي كانت الشوارع تخترقها. كان الحرص يتمثل في الاحتفاظ بعدة مجالات تقع بمركز الخطط أو بطرفها : إنها الجبّانات والصحاري. وقامت الأجهزة الكبرى بالكوفة حيث كانت تسير الحياة العامة : الجامع والقصر والرحبة والسوق ودور الإشراف والسكك المستقيمة أو الملتوية التي تنفتح على الطرق ، والجبانات والصحاري والخطط والكناسة والسبخة. وقبل تحديد مواقعها على