للمثنى (١) ، وقيادة العملية العسكرية في العراق ، فربطها هكذا بالحكم المركزي. ضمن هؤلاء المقاتلين الألف نجد صفوة من المسلمين من الأنصار ، مع أنه يمكن الخلوص إلى تأكيد وجود عدد مهم من أبناء ثقيف أيضا ، إعتمادا على إشارات كثيرة وردت في رواية سيف (٢).
لقد واجه العرب المسلمون مع أبي عبيد جيشا فارسيا نظاميا ، لأول مرة ، كان بقيادة بهمن جاذويه وانضم إليه جالينوس ، وكانا قائدين مهمين. وبدأت المعركة ، بعد حصول بعض عمليات نهب ، بقرقس (٣) الواقعة على ضفة الفرات اليسرى ، لكنها احتفظت باسم معركة الجسر ، اعتمادا على إسم المشهد الرئيسي الذي أثر فيها وحيث أشرف العرب على الكارثة. لقد أرهبتهم الفيلة ، فأخفقوا في تفجير قلب الجيش الفارسي رغم الحملات العنيفة التي شنوها عليه. وما لبثوا أن أجبروا على التقهقر إلى شاطىء الفرات دون أن يقدروا على عبوره من جديد ـ ذلك أن الجسر المتكون من مراكب انقطع بمبادرة عابثة قام بها أحد العرب ـ فقتلوا وأغرقوا. روى سيف أن عدد القتلى ارتفع إلى ٤٠٠٠ وفرّ ألفان ، ولم ينج سوى ٣٠٠٠ رجل من بكر من رجال المثنى (٤). لقد أنقذ المثنى الجيش ، برباطة جأشه ، من هلاك لا هوادة فيه. أما أهل المدينة فلجأوا إلى الصحراء استحياء من الفرار ، وقتل أبو عبيد بعد أن برهن على شجاعته أكثر مما برهن على خبرته. إن الصدمة التي أثرت في الأنصار رفقاء أبي عبيد تبرهن بقوة على ماهية الإيديولوجيا الإسلامية التي استلهمت الفتوحات روحها منها إلى مدى بعيد ، فبدا الفرار في نظر أهل المدينة وكأنه ضعف لا يغتفر ، لا بمعنى الشرف العربي المعهود بل كخطيئة اقترفت تجاه الله. ولم يكن ينوي عمر توجيه الاتهام إليهم (٥) بل إنه قام بعملية نفسية من شأنها رفع الشعور بالإثم عنهم (٦). ويرجع الفضل له
__________________
The Termination of Hostilities in the Early Arab Conquests, ٤٣٦ ـ ٦٥. London, ١٧٩١, p. ٠١١. قد جاراه في ذلك. لكن كان أبو عبيد ينتمي إلى نسب رفيع من ثقيف.
(١) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٥١ ، ذكر أن أبا عبيد جند الرجال في الطريق ؛ وقال الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٤٤ ، إن المثنى كان بالمدينة ؛ انظر الدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١١٣.
(٢) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٤٥٤. كانت تسمى أيضا قسّ الناطف أو المروحة : الدينوري ، ص ١١٣.
(٤) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٥٨ ؛ اقتبس إبن الأثير هذه الأرقام والقصة بأكملها ، متقيدا كثيرا برواية سيف التي ذكرها الطبري لكنه عرضها بصورة أكثر وضوحا : الكامل ، طبعة بيروت ، ١٩٦٥ ، ج ٢ ، ص ٤٣٨ ـ ٤٤٠.
(٥) نسب كايتاني إلى سيف خطأ ، أنه روى خبرا عن عمر جاء فيه تأنيب للأنصار : Caetani ,Annali ـ ـ ـ ,III ,٢ ,.p.٧٥٦
(٦) أضنى الخجل بعض أهل المدينة ، فلجأوا إلى البادية ، ورجع بعضهم الآخر إلى المدينة : الطبري ج ٣ ، ص