شيبان ـ قرابته (١) ـ نقطا حساسة ازدادت وضوحا لدينا.
أ) جاء شبيب مسرعا من المدائن في مرحلة أولى ، فامتنع عليه دخول الكوفة ، وحال دونه ودون ذلك جيش مؤلف من ٢٠٠٠ رجل وهو بقيادة سويد بن عبد الرحمن السعدي. وقد عسكر هذا الجيش في السبخة ثم عبر الفرات وسيطر على مدخل الجسر (٢) ، جسر المراكب الذي يجب وصفه وتعريفه بدقة ، ما أمكن ذلك. فراوغه شبيب وعبر النهر على مرأى من سويد الذي كان يلاحقه ، وبلغ دار الرزق التي ورد ذكرها لأول مرة في مثل هذه الروايات (٣) التي أهملت ذكرها بخصوص المختار مثلا. وعلم شبيب بوجود حشد آخر بقيادة عثمان بن قطن نزل بالسبخة ، ولذا ينبغي تحديدها في مكان آخر غير دار الرزق وحتى الجسر ، إلى أسفل النهر وفي الشرق تماما ، فدار حول الكوفة كلها ، واستمر سويد يلاحقه فحال بينه وبين دور الكوفة (٤). وعند ذلك ، اتجه شبيب إلى الحيرة ، ثم ابتعد نحو أسفل الفرات (على بعد ٢٤ فرسخا) ، وعاد أدراجه إلى البادية ، باثا الرعب في بني شيبان ، وعاد أخيرا إلى الشمال مارا بالأنبار ، فبلغ أذربيجان (٥) ، بعيدا كل البعد.
ب) وبذلك كانت هذه المحاولة الأولى فاشلة. ونجحت المحاولة الثانية في السنة نفسها. اكتسح شبيب الكوفة بسرعة حيرت السلطة وهياكل الدفاع عن المدينة. لكن الحجاج علم بالأمر وهو في البصرة (٦) ، فسبقه إلى الكوفة ، ولم يكن له متسع من الوقت سوى بضع ساعات لتنظيم جهاز دفاعي ، لكنه لم يفعل شيئا. فعسكر شبيب هذه المرة بالسبخة ذاتها ، ودخل الكوفة راكبا مع رفاقه عند المغرب (٧). علينا الاعتقاد إذن أن السيطرة على السبخة كانت تعني السيطرة على مفاتيح المدينة وأنّ المسافة التي تفصلها عن المركز كانت قصيرة وأن الجانب الشرقي يوفر تسهيلات للدخول ، ويمثل إلى حد ما الموقع الرخو للمدينة ، إلا إذا تقرر غلق السكك ، ولم يكن الأمر كذلك هذه المرة. دخل شبيب السوق ، وروي ما يلي : «فجاء شبيب حتى انتهى إلى السوق ثم شد حتى ضرب باب القصر بعموده ... ثم أقبل حتى وقف عند المصطبة» (٨) (كانت المصطبة منصة لإقامة الاحتفالات
__________________
(١) من تميم بن شيبان ، كان شبيب بن أحمد من الأولين وابن أمة بيزنطية أحبت سيدها ، وقد تعلق بها شبيب كثيرا : راجع مثلا الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٥٥ ؛ نشأ في بادية بكر بالجنوب الغربي من الكوفة : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٣٦.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٢٣٦.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٢٣٩.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٢٤٠.
(٦) المرجع نفسه ، ص ٢٤٠.
(٧) المرجع نفسه ، ص ٢٤٠.
(٨) المرجع نفسه ، ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.