إحداهما من العصر الأموي والثانية من العصر العباسي؟ وفي هذه الصورة لعل الحجاج لم يعبر سكة البريد الموجودة في عصره ، بل عبر ما سمي بهذا الإسم ، ولعلها سكة وجدت على أساس أنها الطريق المؤدية إلى السواد والمدائن ، علما أنه يمكن التفكير في طريق البريد الرسمية التي ربما اتخذت في العصر الأموي مسلكا آخر مخالفا للمسلك المتوخى داخل البادية ، أي أنه مسلك آخر غير مسلك النخيلة ، واستخدمت الطريق والمحطات الساسانية. وبذلك لعل طريق البريد من الحيرة إلى المدائن ، ومن الكوفة إلى دمشق وإلى بغداد العتيدة ، تطابق جزءا من الطريق. هذا تعليل يقوم على افتراض صرف (١). وعلى كل حال ، لا يوجد أي شك بخصوص وجود سكة رئيسة في القرن الهجري الأول ، تتجه كخط القطر من القصر وتمر بالمسجد (ذكر عمر بن شبة باب الفيل كنقطة انطلق منها الحجاج ، ولم يذكر سكة البريد) ، وتنفتح على الجزء الشمالي من السبخة ، والمرجح أنها تصل إلى الجسر ، أما نحن فنميل إلى الاعتقاد بأن هذه التسمية لا تاريخية ، سابقة للأوان.
٥) وفيما يتعلق بالمحيط الذي يقع إلى شرقي الشمال الشرقي ، ويأتي بعد «أفواه» السكك ، أي مداخل المدينة دون أبواب ، تبقى المسافات الفاصلة بين المواقع المحددة مجهولة إطلاقا. ولا يعدو الأمر أن يكون إلّا ترابطا للمواقع التي تتشارك في التحديد.
فانطلاقا من السبخة ، وبالاتجاه شمالا ومحاذاة للفرات بصورة متفاوتة ، يمكن على التوالي استعراض النقط التالية : مسجد شبيب بطرفها ، إلى جانب الإيوان (لعله كان عباسيا؟) وبستان زائدة والجسر ودار الرزق ، ويمكن عكس النقطتين الأخيرتين (٢).
وأخيرا ، فإن الركن الشمالي الشرقي الذي تخترقه سكة البريد أو ما يقوم مقامها ، من طرف إلى آخر ، بقي نقطة ممتازة للدخول ، على الرغم من امتلاء الفراغ الأصلي بالبناءات ، إضافة إلى الجانب الشرقي والكناسة ، والركن الجنوبي الشرقي بصورة ثانوية.
تلك هي النتائج التي نستمدها من تحليلنا لعملية شبيب التي زادت من وضوح تصورنا للكوفة وقضت على كثير من الشك. من بين أربع ثورات هزت مدينة الكوفة في العصر الأموي ، كانت ثورة شبيب وثورة المختار هما الأكثر نطقا على صعيد البحث الطوبوغرافي.
__________________
(١) يرى البلاذري أن سكة البريد (العباسية) احتلت موقع الكنيسة التي بناها الوالي خالد القسري لأمه : فتوح البلدان ، ص ٢٨٤.
(٢) ورد ذكر دير هند بالنسبة للمختار : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٢. وقد غاب هذا الأمر على الشابشتي فلم يذكر إلا دير هند بالحيرة : الديارات ، ص ٢٤٤.