ـ ١٩ ـ
أجيال جديدة ، عصور أخرى
إنها فترة طويلة دامت ثلاثة أرباع القرن ، يمكن في الوقت نفسه اعتبارها عصرا ثانيا للوجود الأموي والمرحلة الثالثة لعصر تاريخي يشتمل على ثلاث درجات. إن النظرة العادية للحكم الأموي تميّز العصر السفياني (٤١ ـ ٦٤) ، والعصر المرواني الأول (٦٥ ـ ٩٥ أو ٦٥ ـ ١٠٥) ، وأخيرا عصر المروانيين الأواخر وهو حقبة أفول الدولة ، وقد تخللته النزاعات الداخلية (١). إن مثل هذا التقسيم إلى عصور ، صالح من عدة وجوده ، إلا أنه لا يأخذ بعين الاعتبار ثراء الأحداث الكبير بالنسبة للعراق والحجاز تلك الأحداث التي أحاطت بحكم ابن الزبير ودامت عشر سنوات. وبخصوص الكوفة قد يتأكد الشعور أن كوفة المختار تنتسب إلى الجو نفسه الذي عاشت فيه كوفة شبيب لأن شبيبا مدّد بحركته اللحظة السابقة. وعلى الصعيد المدني فإنّا نجد الأجهزة نفسها تقريبا وقد احتفظت المدينة بالقسمات نفسها بعد أن استتمت بناء مظهرها الرئيس. لكن إن كانت التغييرات الطوبوغرافية قليلة في الثمانينات من التاريخ الهجري ، فقد طرأت تحويرات مهمة على نظام المدينة ، وفي مظهرها الاجتماعي الداخلي ، وعلائقها بالخارج. إن هذه اللحظة تشكل انفصاما تراكم على فترات الحكم (مثل ذلك بقاء الحجاج على رأس الولاية) ، وقام على تحول طرأ على الهياكل العميقة. وإذا ما سبرنا الأمور ، أمكننا طرح القطيعة التي سادت الامبراطورية العربية كافة ، قطيعة بين عصر أول امتد على أربعين سنة وتعلق بالعصر الأولى التكويني والتأسيسي ، وبين عصر ثان مجذوب نحو المستقبل ، عصر حفاظ وعصر هروب إلى الأمام. ففي سنة ٨٠ ، لم يبق على قيد الحياة أي شخص من أولئك الذين عايشوا فترة الرسالة والفتح. وحتى زهرة بن الحويّة بطل القادسية فقد قتله شبيب ، وقد عرفه الحجاج شاهدا
__________________
(١) الطبري ، ج ٧ ، ص ٢٣١ ـ ٣٢٩ ؛ Wellhausen ,Arabische Reich ، الترجمة العربية ، ص ٣٠٢ ـ ٣٧٩ ؛ Shaban ,Islamic History ,I ,pp.٣٥١ ـ ٤٦١.