في الاتجاهات الجديدة للسياسة الأموية في عدة ميادين. وباستثناء هذا الحدث الأكبر شحن العصر بالتحولات : كانت تحولات قادمة من الماضي وبلغت حد النضج ، وتحولات مقبلة في حالة نشوء. روي أن الحجاج طرد شر طردة الأنباط من أهل الريف الذين هجروا الأرض وتوجهوا إلى المدينة (١) لمشاركتهم في ثورة ابن الأشعث. كانت مشاركة ضخمة فعلا. لكن على مستوى التخطيط والقيادة لم يوجد إلا القليل من الموالي المتعربين والمتأسلمين من الذين اندمجوا اندماجا تاما في الحياة العربية (٢). ولم يبد الحجاج عداء للموالي المتعربين في أول الأمر ، بل أنه استفاد من كفاءاتهم استفادة واسعة (٣). وقد شمل قراره المهم الاعلاج الفارين من الأرض فقط ، على ما يظهر.
لقد كانوا جسدا غريبا تمام الغربة ، ولا بد أن هجرتهم إلى المصر بدت في نظره ظاهرة جماعية تسيء إلى التوازن. والحق أنه من الصعب أن نطالب شخصا مثل الحجاج كما أن نطالب روح ذلك العصر بحل شامل لمشكل العلاقة بين الأمة صاحبة السيادة والشعوب المولى عليها ، لكن نرى المشكل يطرح نفسه بكل الخطورة وأكثر بكثير مما كان عليه زمن المختار ، وهو المشكل الذي سيلقي بكل وزنه على أفق نصف القرن القادم. واختار الحجاج العودة إلى الفتوحات كأفضل علاج يوجه للتكدّر العام المسيطر على العراق. كان ذلك أيضا أنجع وسيلة لتبرير الإبقاء على العطاء وعلى وضعية المقاتلة بالنسبة لأهل البصرة والكوفة. فهؤلاء صاروا خاضعين لرقابة أهل الشام في عقر دارهم وقد انتزع منهم السلاح إن صح القول ، لكنهم يقومون بأعباء وظيفتهم القتالية في الأراضي البعيدة ، بخراسان وسجستان والسند ، وآسيا الوسطى بعد مدة وجيزة. واستمر وتفاقم توجيه البعوث النظامية بصفة منتظمة وبالمداورة (٤).
لا نزاع في أن التسعينات شكلت لحظة قوية جدا للتوسع العربي. وقد ترتب عن ذلك اتساع هائل لمساحة الامبراطورية أنجز وتوبع بإصرار ، فكانت نتائجه دائمة. من فرغانة إلى الأندلس. وفي هذه الربوع النائية سيترسّخ ويتنظم الحضور العربي ، وبعد سنة ١٠٠ للهجرة سيأخذ طابع الدوام وينفصل انفصالا واضحا متزايدا عن قواعده العراقية. وهكذا
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ٣٨١.
(٢) حضرت كتيبة من القراء : الطبري ، ج ٦ ، ص ٣٥٠ ، لكن أكثرهم كانوا من العرب ، والحقيقة أن فيروز حصين الذي كان له وزن ، قد ساند ابن الأشعث : المرجع نفسه ، ص ٣٨٠ ، وأيضا سعيد بن جبير. كانت جموع الموالي مؤلفة من أتباع مسلحين : المرجع نفسه ، ص ٣٤٧. راجع المحبّر ، ص ٣٤٠ وما بعدها ، عن أعيان موالي الكوفة.
(٣) مثلا أعين أو يزيد بن أبي مسلم والي افريقية.
(٤) الطبري ، ج ٦ ، ص ٣٨٣ : «ضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان».