رفض كايتاني بحق التأريخ الذي اقترحه سيف والذي جعل وقعة البويب تقوم بعد شهر من معركة الجسر ، يعني في رمضان ١٣ ه / نوفمبر ٦٣٤ ، وحجته على ذلك جيدة (١). لقد قدم سيف تأريخ وقعة البويب لأنه قدّم تأريخ القادسية. وبما أنه أساء تأريخ اليرموك وفتح دمشق (٢) ، فقد أجبر على تنقيح كل التواريخ. ومن جهته أخذ كايتاني مؤشرين بعين الاعتبار صعودا ونزولا استمدهما من مدرسة المدينة ـ مدّة سنة بين معركة الجسر ومعركة البويب (٣) ، وثمانية عشر شهرا بين وقعة البويب والقادسية ـ فكان عليه أن يؤخر التواريخ كلها. وحيث اننا نلتزم بتأريخ معركة القادسية في رجب أو شعبان ١٥ ه / ٦٣٦ م فإن تاريخ رمضان من سنة ١٤ ه يبدو لنا تأريخا متأخرا جدا بالنسبة لوقعة البويب ، وقد فضلنا عليه تاريخ ذي الحجة من سنة ١٣ ه أو محرم من سنة ١٤ ، وبذلك نكون قد احتفظنا بمدة الثمانية عشر شهرا التي تفصل بين المعركتين (٤).
على أن المهلة كانت نسبية تماما ، لأن العرب شرعوا في اكتساح السواد واستغلوا حيرة أعدائهم واضطراب أمورهم ، فشنوا الغارة فيما بين الحيرة وكسكر وسورا والصراة وفيما بين الفلّوجتين ، والنهرين ، وعين التمر. ثم أنهم نهبوا تكريت وسوق بغداد ، فانتزعوا أموال التجار الآراميين من الأعالي ، كما نهبوا حماتهم العرب ـ الخفراء ـ من قضاعة وربيعة (٥). لكن في الاثناء وبفاعل الضغط العربي أخذت السلطة الفارسية تعمل من أجل إعادة تنظيم صفوفها وقد تعالت الشكايات الصادرة عن دهاقين السواد المنهوك. وهكذا توّج يزدجرد
__________________
(١).Annali ـ ـ ـ ,Vol III ,p.٥٥٦ ff. وقد سبق لفيلهوزن أن رفض هذا التأريخ ، راجع : Prolegomena ـ ـ ـ in :. Skizzen und Vorarbeiten, VI, p. ٣٧
(٢) أرخهما في سنة ١٣ ه.
(٣) الواقع أن هذا الخبر ذكره أبو مخنف واستعاده البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٥٣ ، وهو عبارة عن قول منفرد ، نرفضه فيما يخصنا لادخاله البلبلة على تسلسل الأحداث.
(٤) أرخ البلاذري معركة الجسر في رمضان سنة ١٣ ه ، ولم يذكر تاريخا دقيقا بشأن معركة البويب بل اكتفى بذكر مدة سنة حسب رواية أبي مخنف ، وبذلك تحدد تأريخ معركة البويب في رمضان من سنة ١٤ ه. وقد فصل محترزا بين معركة البويب والقادسية ، بمدة ١٨ شهرا وبذلك يكون تاريخ سنة ١٦ ه معقولا ، وهو الذي اعتمده كايتاني. فيثق المستشرق الإيطالي في النهاية بالواقدي الذي اعتمده البلاذري. وقد أرخنا فيما يخصنا معركة القادسية في عام ١٥ ه. وسنبين ذلك ـ فوجب علينا إما إهمال السنة الفاصلة بين معركة الجسر ومعركة البويب أو مدة ١٨ شهرا التي تفصل بين معركة البويب والقادسية ، وقد فضلنا الحل الأول رغم أن سيفا أشار إلى أن المحاربين في البويب كانوا صائمين (الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦١) ، وفي رأيه أن الأمر يتعلق بعام ١٣ لكن رواية ابن عمرو الشيباني أرخت معركة البويب بالفعل في محرم سنة ١٤ ه : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٥٣ ، وأرخ خليفة بن خياط وقعة البويب في صفر من سنة ١٤ ه : التاريخ ، ج ١ ، ص ٩٨.
(٥) قتل المثنى جماعات من تغلب والنمر : الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٧٣ ـ ٤٧٥ ، وحدثت أعمال نهب وأخذ بالثأر يعود طابعها إلى العصر الجاهلي.