العامة ، وتأسيس واسط أيضا ، واستقرار أهل الكوفة في وقت لاحق في «مستعمراتهم» القريبة والبعيدة ، وحركة انسياب العرب إما في المحيط البدوي وإما في السواد (١). لكن المصادر تصر على القول إن ١٠٠٠٠٠ سيف كانت مستعدة لأن تقف إلى جانب زيد في سنة ١٢٢ ه لو شاء ذلك ، تأتيه من الكوفة وخراسان (٢). هذا الرقم الوارد في أكثر من خبر ، لا يمكن أن يكون مجرد استرجاع لرواية أبي مخنف حول ثورة ابن الأشعث ، فهو إما يندرج في المثالية التكرارية والرمزية الرياضية ، فيكون تقريبا خالصا لا يعبّر إلا عن ضخامة القوة الضاربة (٣). إلا أنه يكشف مع هذا عن شعور غامض بالعدد الكبير ، وينقل فكرة التكثير. لكنه في أغلب الروايات لا ينطبق على الكوفة وحسب (٤) ، وهذا ما يضيف صعوبة أخرى.
ويمر الزمن ونأتي إلى سنة ٢٦٤ ه حيث يرد رقم ٨٠٠٠٠ دار أو نار ولعله يقابل ما يقدر ب ٣٢٠٠٠٠ إلى ٤٠٠٠٠٠ ساكن (٥). كان العصر عصر توسع للحضارة الإسلامية ، وعصر الذروة بالنسبة للكوفة ، وعصر توسع هام جدا للمجال الديني ، كما يشهد بذلك علم الآثار. لكن بغداد من جهة وسامراء من أخرى كانتا تجذبان أهم عدد من سكان الريف والمدن وتعوقان التطور الطبيعي للكوفة. فالمفروض إذن أن هذا الرقم يمثل قاعدة تقريبية صالحة لأواخر العصر الأموي : إن رقما يتراوح بين ٣٠٠٠٠٠ و ٣٥٠٠٠٠ ساكن ، في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري ، لهو قريب من المعقول تماما بالنسبة للكوفة ومنطقتها القريبة. وهو ينتسب إلى تقديرات العصر : كان مثلا عدد العمال الذين استخدمهم المنصور لبناء بغداد ١٠٠٠٠٠ عامل ، وقد قدم عدد هام منهم من الكوفة. وتواجد أيضا أكثر من ١٢٠٠٠٠ مقاتل في معركة الزاب (١٣٢ ه). وأخيرا تؤيد كل القرائن النمو الديموغرافي السريع ، منها الوضع الغذائي الممتاز الذي كانت عليه الأمصار التي كانت تستمد كامل غذائها من السواد والأهواز وفارس والجبال وأذربيجان بفضل مؤسسة الرزق ، مما جعل المدينة مكانا للأمن الغذائي. وهذا ما يفسّر تدفق الأهالي عليها وما جدّ من مراقبة للنزوح. لكن هذه الجموع ذاتها تغذي المدينة بدورها بمادتها البشرية. فالتدفق الخارجي هو العامل
__________________
(١) كتاب البلدان ، ص ٣٠٩ و ٣١١.
(٢) مقاتل الطالبيين ، ص ١٣٥. ذكر الطبري ، ج ٧ ، ص ١٦٦ ، أن رقم ١٠٠٠٠٠ مرتبط بأهل الكوفة وحدهم وهذه جزئية مهمة.
(٣) انظر مثلا ، الطبري ، ج ٧ ، ص ٥٦١.
(٤) بصفة عامة وباستثناء ما ذكره أبو مخنف. وانظر أيضا الطبري ، ج ٧ ، ص ٥٦١.
(٥) معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩٢. وقد استخلص كايتاني أيضا رقم ٤٠٠٠٠٠ ، اعتمادا على هذا الخبر : Caeta ـ ni ,Annali ,III ,٢ ,P.١٦٨.