ـ ٢٠ ـ
الاستمرارية ، الاضافات والابتكارات
هذه كوفة نصف القرن الأخير من العهد الأموي هي بالذات التي عاش فيها أبو مخنف. لا شك أنه ألف كتبه في مطلع العصر العباسي ، كما بيّن ماسينيون ، فاستعرض العصور السابقة ، وبذل جهده في إحياء ما مضى من الأحداث ، لكن الكوفة التي كانت نصب عينيه هي تلك التي امتدت حياتها من سنة ٨٠ إلى سنة ١٣٠ ه ، أي كوفة لم تعد تحدّد ذاتها المجالية بالمدينة ـ المصر المتراصة المنحصرة على نفسها ، بل صارت تنزع إلى ضم العديد من التجمعات شبه المدنية التي دخلت في فلكها ويشهد على ذلك تكاثر المنشآت الخارجية التي أمر بها الخلفاء الأمويون الأواخر والأوائل من العباسيين على السواء ، من مثل سوق يوسف بن عمر في الحيرة ، وسوق أسد ومدينة ابن هبيرة ، وزرارة وهي آخذة هيئتها في ذلك الوقت ، والرصافة والهاشمية ، وقصر أبي الخصيب.
أما بخصوص الخطط التي بقيت مع المركز ، العنصر الأساسي للهيكل المدني ، فينبغي تسجيل استمرارية الاستيطانات القبلية ، واستقرار الأوضاع أيضا. لم يأت سكان عرب جدد زرافات للإقامة ، ولم يجر أي إحداث جديد في الخطط ولا كذلك التحولات التي هي هجرات داخلية كما وقع في الخمسين سنة الأولى. لقد تزايد عدد الموالي إنما أقاموا في خطط أسيادهم. وإذ ورد ذكر مسجد للموالي ، وقد وضعه ماسينيون غلطا (١) بأحد أطراف المدينة ، فهذا لا يدل على وجود استيطان خصوصي للموالي غير مندمج في الخطط ، ولا على سكن مستقل لهم (٢). إن ما طرأ من تغييرات على نسق الخطط بمفعول النمو العمراني ، قد وقع على نمط إما التمدد والدفع إلى الخارج أو عبر التراص الداخلي. لكن عند الحديث عن الكوفة والأزقة والمتاهات والكثافة السكنية التي لا شك فيها ، فلا بد من التعرض إلى الوجه
__________________
(١) Massignon ,Art.cit.,p.٤٥.
(٢) انظر لا حقا.