التي كانت تمسح بها الجثث ، أكثر مما كانوا مختصين في التحنيط بالمعنى الدقيق). ولا شك أن الجزارين كانوا يقيمون خارج الأسواق في السبخة حيث كانت لهم دار ورد ذكرها أول مرة أثناء ثورة زيد (١٢٢ ه) (١). وكان للحدادين أيضا مكان خارج مركز المدينة ، ولعله يقع بين الكناسة والمركز أو بأقصى غرب المركز (٢). وقد غمض أمر سوق الغنم ، عند تدوين الرواية بخصوص مقتل هانىء بن عروة ، علما أن ماسينيون حددها بأقصى خطة مذحج (٣).
ولا يسمح النص باستخلاص هذا الأمر إطلاقا ، لكن المنطق الطوبوغرافي للأسواق قد يحملنا على وضعه خارج المركز. وبالفعل كانت أسواق الأغنام تقع بأطراف المدينة ، وهي بعيدة عن المساحة المركزية ، وكانت تشكل صنفا مغايرا من الأسواق له طابع خاص ، ووظائف مغايرة (٤). في حين أن الأسواق المركزية كانت بها صنائع نظيفة شريفة ، وقد شكّلت وحدة شاملة تفرّعت إلى وحدات أصغر فهي مركب لصنائع متميزة اندرجت في جغرافيا المركز. إنها سوق مفردة متفرعة إلى عدة أسواق. وكانت شبكة من النشاطات المتكاملة المتداخلة التي جسمها مفرق السكك التجارية المنفصلة بعضها عن بعض ، إذ تضمنت دروبا تغلق ليلا أو عند نشوب اضطرابات خطيرة (٥). والملاحظ أخيرا أن موقع سوق الصيارفة كان خارج المركز في الركن الجنوبي الغربي للمساحة المركزية قرب مسجد بني جذيمة (عشيرة من عبس لا أسد كما روي) (٦). هذا استثناء وجب التلميح إليه لما اكتساه هذا النشاط من أهمية وهو يفسر بأسباب دينية أو ظرفية.
٢) الأسواق المحيطة. الكناسة والدور الجديد للحيرة
إن مهمة الأسواق المركزية هي أن تنتج وتخزن وتبيع المنتوجات المصنوعة. وهي تنتمي إلى قطاع التجارة الخاصة وتعبّر عن الوجه الإيراني والوجه العراقي للكوفة. وكانت تتعاطى نشاطات من الصنف «الشرقي». وقد تركز في دار الرزق ما كان يرجع بالنظر للدولة ـ جباية الضرائب على الإنتاج الزراعي وإعادة توزيعها في إطار الرزق (٧) ، والغنيمة والرقيق خاصة ـ وبالكيفية ذاتها ، كانت كل علائق التبادل التجاري والبشري تتم بالكناسة
__________________
(١) أنساب الأشراف ، ج ٣ ، ص ٢٥٠ وما بعدها.
(٢) مقاتل ... ، ص ١٣٦ ؛ الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٦.
(٣) Massignon ,p.٣٥.
(٤) مثل الكناسة.
(٥) الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٢.
(٦) فتوح البلدان ، ص ٢٨٤.
(٧) الطبري ، ج ٦ ، ص ٦٠٢.