ـ ٢١ ـ
رجوعا إلى التقاليد العربية :
الجبّانات والصحاري
ذكر اليعقوبي في كتاب البلدان أن كل قبيلة اختطت مع رئيسها (١) قال : «وكان لكل قبيلة جبانة تعرف بهم وبرؤسائهم». وأضاف في التاريخ ملحوظة مفادها أن الأشعث خط جبانة كندة ، قال : «فاختط الأشعث جبانة كندة واختطت كندة حوله» (٢) وفعل سعد الشيء نفسه بالنسبة للجامع والقصر. وهذا يعني أن القبائل منحت حرية التصرف في المكان المخصص لكل منها ، وفي التنظيم الداخلي للخطط. وكانت التهيئة المكانية للمركز من صلاحيات السلطة في حين أن تهيئة الخطط كانت ترجع بالنظر إلى القبائل. وتقوم دار الرئيس مقام العلامة المركزية الدالة على غرار القصر ، ويتواجه الجامع والجبانة ، فالجامع هو المكان الأول المحدد في الخطة والذي ينبغي أن يحتل منها المركز الهندسي. كما أن الجبانة قامت بدور المركز لتجميع القبيلة ، فكانت النقطة الحساسة ، والساحة العمومية ، وقلب الخطة النابض.
كانت الجبانة ثمرة للعفوية الخلاقة في عالم القبائل لأن السلطة لم تتدخل في إقامتها ، فكان عليها أن تنجو منطقيا من تأثير الحضارات المحلية المحيطة ، وخلافا لذلك فهي ترجع إلى نسبها العربي. لكن ما هي سلالة التقليد الثقافي العربي المقصود؟ فعلا ، لقد تراكمت وتجاوزت في الكوفة عدة عوالم عربية مختلفة نسبيا ، يمكن ترتيبها في أصناف ثلاثة :
ـ قبائل قيس ومضر من رعاة النوق. وهم رحل وبدو من الطراز الأول ، منهم تميم وأسد وعامر وهوازن ، فضلا عن العشائر والحلفاء.
ـ عالم المستقرين المتحضرين من الحجاز ، وكانوا من مكة ويثرب (المدينة) والطائف
__________________
(١) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.
(٢) التاريخ ، ج ٢ ، ص ١٥١ ، طبعة بيروت.