ومذحج ، اللتان تفوقتا على حمير وحضرموت تفوقا واضحا في ذلك العصر (١). ونجد في المقابل ، أن ما دخل بعد ذلك في الفلك اليمني مثل كندة ، تمسك بتثبيت الهوية اليمنية بمفعول «الهيبة الحضارية» (٢). ولا شك أن اليمنية نقلوا معهم إلى الكوفة عدة عناصر من متبقيات حضارتهم القديمة وأصروا على الحفاظ عليها. وهذا لا يعني أنهم مثلوا النواة التمصيرية الوحيدة ، كما فهم ذلك ماسينيون ، والقطب الرئيس لممارسة الحياة الحضرية (٣) ومع ذلك فقد أضفوا على الكوفة لونا نوعيا لا ينكر. وظهر ذلك في خطط القبائل حيث يمكن للعفوية الخلاقة أن تعطي أكلها أكثر مما كان في المساحة العمومية حيث تدخلت ارادية السلطة القرشية ـ الثقفية مستعينة بنصح المستشارين من فارس والحيرة (الذين كانوا يمثلون عروبة من نوع آخر ، احتكت بالحضارة الفارسية ، فاعتبرت عروبة الحيرة غريبة خارجية مع أنها أثرت لا محالة على كل ما يرتبط بالعمارة في بادىء الأمر).
فإذا أمكن أن ننازع في وجود أي تأثير يمني على تصور الرحبة المركزية بالرغم من وجود الرحبات أي المساحات الخالية (٤) في المدن اليمنية القديمة ، فإنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الجبانات بصفتها عملا يمنيا مباشرا. كان قول اليعقوبي في محله حيث أكد أن جبانة كندة كانت الأولى من حيث التخطيط والتشييد. فضلا عن أن النظر في قائمة الإحدى عشرة جبانة التي ورد ذكرها في الكتب الموجودة بين أيدينا ، يدل على أن أكثرها كان ملكا للقبائل اليمنية.
ـ كانت جبانة السبيع التي تقع في الشمال ، ملكا لقبيلة همدان ، وقد استمدت اسمها من البيت الشريف بهمدان (٥).
ـ جبانة كندة في الجنوب ، تابعة لكندة.
ـ جبانة بشر في الشمال ، من المحتمل أنها كانت في خطة بجيلة (٦) حيث أقامت
__________________
(١) H. Djai ? t,» Les Yamanites a ? Kufa au ١ er sie ? cle de l\'Hegire «, JESHO, XIX / ٢) ٦٧٩١ (, pp. ٨٤١ ـ ١٨١.
(٢) عبارة من ابتكار ماكس قيبر.Max Weber ,Economie et Socie ? te ? ,I ,pp.٤٢٤ ff.
(٣) Massignon ,op.cit.,p.١٤.
(٤) H.Djai ? t ,art.cit.,p.٧٧١.
(٥) غلب هذا البيت بني ناعط في الشرف : «الهمداني ، الاكليل ج ١٠ ، ص ١٤٨ ، وجزيرة العرب ، ص ١١٠ ـ ١١٢ ؛ كتاب الاشتقاق ، ص ٤٢٧ ؛ الجمهرة ، ص ٣٩٥. لا ننس أن سيد همدان سعيد بن قيس كان من السبيع ، ويحتمل أنه أنشأ الجبانة ، راجع أيضا : فتوح البلدان ، ص ٢٨٠ ؛.Massignon ,p.٧٤
(٦) كانت العلاقات فيما بينهم وثيقة جدا في الجاهلية. قال ابن دريد في كتاب الاشتقاق ، ص ٥١٥ : «كانوا أخوة». وأكد اليعقوبي أن طيئا أقاموا حول جبانة بشر : كتاب البلدان ، ص ٣١١ ـ ٣١٢.