ـ ٢٢ ـ
مساجد الكوفة
تذكر المصادر المعهودة ومصادر الشيعة ثلاثين مسجدا (١) بالنسبة للكوفة وهو عدد لا نجد مثيله في مدينة أخرى ـ كالبصرة والمدينة وبغداد ـ خلال العصر نفسه من تاريخ الإسلام. إن مصدر هذه الكثرة هو الروايات المفصلة عن الثورات ، كما الشعور الديني الشيعي الخصوصي جدا ، الذي عمل على تصنيف وترتيب وتعديد مساجد الكوفة ، وهي مساجد تكون محل تقديس أو لعنة حسب الأحوال. ينبغي التمييز قطعا بين المسجد الجامع الذي سمي المسجد الأعظم أحيانا والمخصص لصلاة الجمعة وكافة الصلوات الرسمية التي تبدأ بالخطبة ، ولاجتماع الجماعة كافة بإشراف الوالي ، وبين المساجد الأخرى المتكاثرة البسيطة. كان للمسجد الأعظم وضع خاص ، لا لأنه كان أوسع من غيره بل لما كان له من وظائف ولرمزيته العظيمة ، ولعله كان الوحيد المقرر في التخطيط الأول. وخلافا للجبانات ، فإن المساجد العادية لا تظهر بصفتها مساجد أصلية. بل إنها ظهرت بعد المدة الأولى ضمن الخطط القبلية إما كمساجد ارتبطت بشخص وتسمت باسمه ، وإما كمساجد للعشيرة لا للقبيلة. ويمكن افتراض أنه كان لكل عشيرة بالكوفة في وقت من الأوقات ـ بعد سنة ١٠٠ دون شك ـ مسجد خاص بها مما يرفع عدد المساجد إلى أكثر من مائة. إن تكاثر مباني العبادة وامتدادها عبر كافة المجال الحضري ، إلى جانب وجود جامع أعظم مركزي ، كل هذا يشكل كل مدينة اسلامية مقبلة وبالتالي فهو ارث من القرن الأول. الأمر الذي يؤكد بقوة أنه ينبغي اعتبار الأمصار المقر والمركز لأسلمة العرب أنفسهم ، فضلا عن وجود دورين آخرين ، كنقط للهجرة والإشراف وكحراس للبلدان المفتوحة في آن. وإذا كان الجامع الأعظم يقع في المساحة العمومية ، فإن المساجد الأخرى كلها تقريبا تقع بحوزة القبيلة داخل قطائع العشائر. وإذا كان الجامع الأعظم من إنشاء السلطة ، ارتبط ارتباطا وثيقا
__________________
(١) أكثر بكثير بعد اطلاعنا على ابن الكلبي : انظر القائمة الإضافية.