ـ ٢٤ ـ
الكوفة والمدن المنشأة بالعراق قبل بغداد
إذا ما وافقنا على أن الكوفة كانت منذ البداية حاضرة ، اختطت تخطيطا كاملا ، ووافقنا على وجود الثنائية بين المساحة العمومية المتركبة من القصر والمسجد والأسواق من جهة والحزام السكني المخصص لخطط القبائل من جهة ثانية ، فإنه يمكن التساؤل تساؤلا مشروعا عن النموذج الذي جسمته الكوفة بالنسبة لكل مدينة إسلامية مقبلة. ويزداد المشكل دقة بقدر ما ندخل في العصر الأموي حيث امتلكت أسلوبا معماريا يبدو أن واسط قلدته ، وبغداد ، ولو تجاوزنا منطقة وادي الرافدين ، قصور الشام. ويكون النموذج إذن نموذجا للتخطيط وأيضا للتمصير في المرحلة الأولية ونموذجا معماريا جاء بعده لما تبلور الفن الأموي في وادي الرافدين.
ولذا ، لنا أن نستفهم في هذا الموضوع المؤلفات القديمة والحديثة. جاء في أحد المصادر بخصوص البصرة ما مفاده أنها اتبعت مثال التخطيط كما كان بالكوفة : «واختطت على نحو من خطط الكوفة» (١). كذلك فقد أقر ماسينيون مركزية الأسواق كأساس في بنية الحاضرة الإسلامية ، فعرض افتراضا يقول أن أسواق بغداد قلدت أسواق الكوفة من حيث الهندسة المعمارية والوظائف (٢). وأوضح صالح أحمد العلي بدوره (٣) ما هنالك من تشابه ملفت للنظر بين الامصار وبين بغداد في عصر المنصور لا بسبب المحافظة على البساطة العربية القديمة وحسب ، بل بما كان عليه المسجد من طابع مركزي مدمج وكذلك القصر والدواوين ، فقال متحدثا عن بغداد «إن الأمر كان تماما على نحو الأمصار الأولى».
__________________
(١) سيف ، في : تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٩٣.
(٢) Massignon ,Art.cit.,p.٩٤ ; وكذلك :» Mission en Me ? sopotamie «,p.١٩.
(٣)» The foundation of Baghdad «في : Stern ـ Hourani ,ouvr.cit.,pp.٧٨ ـ ١٠١