فتح «كور» دجلة (١).
وسواء اعتمدنا سيفا أو المخبرين الآخرين (٢) ، وبالرغم من اختلافاتهم ، فإن قراءة نقدية للنصوص تحملنا على الاقتناع بأن عملية عسكرية ثانوية للتلهية (٣) جرت بين سنة ١٤ و ١٦ ه ، وقد كانت بقيادة عتبة بن غزوان وبتوجيه من المدينة. ولا شك أن جموع بكر المقيمين بالحدود قد أشاروا بها (٤). فتسببت هذه الحركة في هجرة محدودة (٥). وكانت عملية ضعيفة المدى حدثت بأسفل دجلة ، فتم الاستيلاء على الأبلّه ـ مقر الحامية الفارسية ـ ودستميسان والفرات (٦). وكان من السهل انهاؤها مما يفسر أن العرب المهاجرين تكاثروا بسرعة. ولا شك أن ذلك قد وقع منذ سنة ١٥ ه بعد القادسية مباشرة. وكان على هذه الغزوات أن تكتسب لها قاعدة فقامت الخريبة بذلك. وقد أكدت بعض الأخبار أن العرب بنوا سبع قرى محصنة هي الدساكر (٧). ولعل المعسكر في هذه الصورة اتخذ شكل منشأة قروية متفرّقة ، فكان نواة للبصرة العتيدة (٨). لكن ذلك يبدو متناقضا مع أقوال هذه المصادر بالذات بخصوص إقامة معسكر من الخيام ، وأكواخ من القصب ، القصب الذي يقتلعه العرب في كل حملة لكي يتمّ تركيبه عند العودة (٩). من رأينا أنه ينبغي رفض فكرة بناء هذه
__________________
(١) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٣٣٥.
(٢) يذكر الطبري ، ج ٣ ، ص ٣٩٠ وما بعدها اسم الشعبي وأبي مخنف والمدائني. وتمثل المصدر الرئيس عند البلاذري في شكل مجهول : «قالوا» لكنه يذكر أيضا الواقدي وابن اسحاق وعوانة وأبا عبيدة ، ووهب بن جرير ، وآخرين أقل شهرة : فتوح البلدان ؛ والدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١١٦ ـ ١١٩ ، وقد ألحا على ما كان لهذه العمليات من استقلال وتدبير وأهمية.
(٣) كانت فكرة عملية التلهية وحماية الجهة الجنوبية واضحة عند سيف ، الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٩١ ، وعند البلاذري ، ص ٣٣٦ ؛ ابن سعد ، طبقات ، ج ٧ ، ص ٥.
(٤) مع سويد بن قطبة مماثل المثنى : فتوح البلدان ، ص ٢٤٣ وص ٣٣٥ ؛ الأخبار الطوال ، ص ١١٦ حيث بدا بمظهر المقلد للمثنى وكان من عجل ؛ صالح العلي ، التنظيمات ، ص ٣٤.
(٥) فتوح البلدان ، ص ٣٣٨ ؛ أبو مخنف في الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٩١.
(٦) فتوح البلدان ، ص ٣٣٥ ـ ٣٤١.
(٧) لا سيما ابن اسحاق : البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٣٣٧ ، وقد جعل منها مرحلة لاحقة أنشئت بعد وقت قصير من إقامة معسكر الخيام ؛ الواقدي ، في طبقات ابن سعد ج ٧ ، ص ٦ ، اعتبر ذلك بادرة عفوية قام بها بعض الأفراد.
(٨). Massignon,» Explication du plan de Basra «, Opera Minora, III, p. ٠٧ يرى ماسينيون أن الخريبة هي موقع البصرة في حين أنها تظهر على الأطراف. انظر : فتوح البلدان ، ص ٣٣٦ ؛ الطبري ج ٤ ، ص ٤٩٨ وص ٥٣٨.
(٩) فتوح البلدان ، ص ٣٣٦ و ٣٤٢. اقتبس عنه ياقوت ج ١ ، ص ٤٣٢ ، كما هو معلوم ؛ الطبقات ج ٧ ، ص ٦ ؛ الأخبار الطوال ، ص ١١٧. الواضح أن المقصود هي المرحلة التالية.