ـ ٢٥ ـ
الكوفة وبغداد
سبق أن اقترحنا وجود تسلسل مزدوج بين الكوفة وبغداد ، بداية وأصلا عن طريق تدخل واسط وثانيا بالعودة المباشرة إلى التصور الحضري الكوفي بصورة شاملة وتفصيلية. لكن بمفعول العودة يتبين تأثير بنية بغداد على الكوفة وهي ما زالت في حالة تطور.
لقد ألح التقليد الاستشراقي مدة طويلة على الطابع الفارسي الذي طبعت به بغداد (١) ، وهو أمر واقع لكنه يبدو ثانويا. واليوم أكثر من أي وقت ، تفرض نفسها على المؤرخ فكرة الاستمرارية الهيكلية بين الإرث الأموي والانشاءات العباسية الأولى ، لكن مع وجود انفصام معين. وفي الجملة فقد جمعت بغداد ـ طبق نظام زمني معكوس ـ بين واسط والكوفة ، وتجاوزتهما في آن.
كانت الكوفة عاصمة إدارية للعباسيين قبل سنة ١٤٩ ه / ٦٧٢ ، لأنها اشتملت على الدواوين المركزية (٢). وكانت العاصمة السياسية تتجسم قطعا في المدينة حيث يقيم الخليفة في تنقلاته المختلفة ، ولا سيما مدينة ابن هبيرة في خلافة المنصور (٣). لكن هذه المدينة
__________________
(١) Streck ,Die alte Landschaft Babylonien ,p.٦٥ ؛ وانظر أيضا : Creswell, Early, Muslim Architecture, II, pp. ٨١ ـ ١٢. الذي ألح خاصة على التصميم المستدير وجعل منه نسخة من درابجرد وغور وطيسفون. وقد لاحظ صالح أحمد العلي التشابه بين المدينة المستديرة المحصنة والقهندزات الفارسية : انظر : Hourani ـ Stern, The Islamic City p. ٣٩ ؛ في حين أن لاسنر نازع في كل فكرة للتسلسل الفارسي :. Lassner, op. cit., pp. ٢٣١ ـ ٣٣١ لكن صالح العلي أكد الاستمرارية مع الأمصار في مستوى الهياكل الإدارية والبشرية فيما يكرس لاسنر النموذجية الامبراطورية لمدينة طيسفون ـ سلوقية المتوأمة. إن التصميم المستدير وجد منذ القدم في وادي الرافدين. لكن الاستدارة لم تكن منتظمة تماما. وقد انفردت مدينة زنجرلي (آخر الألفية الثانية) بالصفة الدائرية الكاملة ، وكانت تقع بأعلى الشام. ولقد بنيت كثير من المدن الدائرية بعد سقوط امبراطوريتي بابل وسلوقية» انظر :.Oppenheim ,op.cit.,p.٦٤١.
(٢) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٩٣.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٢٨٥. سماها كذلك «المدينة الهاشمية». الواجب تمييزها عن هاشمية أخرى قريبة منها كما