خاتمة
الوجه المدني للكوفة
ـ مصير الكوفة وهويتها ـ
لا تنتهي أية مدينة من بنائها الذاتي وهدمها الذاتي أبدا ، ذلك أن نبضات حياتها ترتبط بالمادة البشرية الموجودة داخلها ، وبالمد البشري المحيط بها ، كما ترتبط بوتائر التاريخ الكبرى بالمقدار ذاته ، حيث المستوى السياسي يثبت أحيانا قدرته على الهيكلة بصورة خاصة. فهو قادر بقرار بسيط على تغيير المظهر الاجتماعي والمظهر المدني إلى أجل. لقد نشأت الكوفة عن قرار اتخذه سعد ، وعمر أيضا على مستوى أعلى. ورغم ما انتاب العصر الأموي من هزات وتغييرات ، فقد ساده انسجام كبير. وكان للتحول العباسي الذي حدث في الوقت المناسب ، تأثير ووزن كبيران على مصير المدينة.
وقد سبق أن أشرنا إلى الطابع الممتاز الذي اتصف به العصر الأموي ، ويجب التأكيد على كلاسيكية معينة داخل هذا العصر ، ارتبطت بفترة حبلى بالأحداث ، بدأت من سنة ٦٠ ه وانتهت في سنة ١٢٠ ه ، حيث اتجهت المدينة إلى نحت أدل تعابيرها ، فأوحت بانطباع التماسك واتخذت شكل إطار قارّ للحياة الجماعية ، وقد داخلتها قطعا بعض الاضافات والتحويرات والاستكمالات.
لو رمنا تجميع الكيان الكوفي في صورة وصفية وظيفية ، والقيام بقطع جانبي عبر العصر الأموي وهو العصر الأكثر تعبيرا لوجب التذكير بالثنائية الأساسية بين المركز والخطط ، التي تضاف إليها أجهزة الأطراف الأساسية الموجودة بالمدينة وخارجها. على هذه القاعدة التفكيكية ضمن ثلاثية منقوصة ، يهمنا أن نؤكد وحدة المجموع ، وتكامل المجموعات الفرعية وكذلك تشعب الأجهزة وتنوعها. إذ لدينا من جهة دائما مساحة عمومية تتركز فيها أهم الوظائف السياسية والدينية والعسكرية المتداخلة لحدئذ ، ومن جهة أخرى الخطط ، وهي عبارة عن أماكن قبلية وطوبوغرافية مخصصة للسكن. فضلا عن أن المركز يتحمل هو أيضا وظيفة السكن إذ تضمن دورا كثيرة للاشراف ، وخطط بعض العشائر