ملحق (١)
الكوفة في تاريخ الإسلام (*)
الكوفة هي إحدى المدينتين الكبيرتين اللتين تأسستا في العراق في العصر الإسلامي الأول ، والأخرى هي مدينة البصرة. وكانت الكوفة ، منشأة العرب العسكرية الدائمة في بلاد الرافدين ، تسيطر على جملة السواد العراقي. وقد أسهمت إسهاما بالغا في الفتح الإسلامي لبلاد فارس ، وكانت طيلة القرن الأول للهجرة (القرن السابع الميلادي) بؤرة غليان سياسي. وهي التي أنتجت كما البصرة أيضا ، التراكم الفكري الذي أنجب الحضارة والثقافة العربيتين الإسلاميتين على مدى ثلاثة قرون. ثم عرفت الكوفة الانحطاط ثم الخراب؛ ولم يبق منها اليوم سوى آثار معظمها من فترات متأخرة ، وأصابها تغيير كثير.
أسّست الكوفة في العام السابع عشر للهجرة (٦٣٨ م) على يد سعد بن أبي وقاص بطل القادسية بعد أن تمّ انتزاع كامل العراق من يد الساسانيين ، ولا سيما بعد سقوط المدائن (١٦ ه٦٣٧/ م) التي لم يطق العرب مناخها. لكن ، إضافة إلى هذا السبب ، كانت هناك أسباب أخرى لا تقلّ أهمية:ففي إزاء رغبة العرب في الهجرة والإقامة ، كان الخليفة عمر يرغب في إبقاء العرب على مسافة من الشعوب والمناطق المحتلة ، حفاظا على استمرار التواصل المكاني مع الجزيرة العربية. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الأسس التي ستنظّم علاقة الشعب المحتلّ بشعوب المناطق المحتلة ، جرى وضعها على الفور:عدم الانتشار في سواد العراق ، والامتناع عن إقامة منشآت زراعية؛ الإبقاء على حضور القوة العسكرية الضاربة؛ وضع خطة ضريبية مالية جديدة تضمن الحصول على خراج الأراضي العراقية من دون أن يعمد العرب إلى الاستغلال المباشر لذلك الخراج؛ الرهان على تعايش القبائل العربية الكثيرة الاختلاف في الأصل. كما أن دور الدولة الجديدة والدين الجديد ، بوصفه أداة توحيد وقوة حماية ، كان أيضا يؤخذ
__________________
* ـ منشور في:دائرة المعارف الإسلامية ، النشرة الجديدة ، لايدن.