بالحسبان ضمنا. وليس ثمة أدنى شك في أن الخليفة عمر كان يريد أن يجعل من الكوفة مهدا لتجربة تضع نظامه على المحكّ العملي؛ ولذا أنشأ الديوان بين عامي ٢٠ و ٢٣ ه٦٤٠/ و ٦٤٣ م.
I ـ مدينة الكوفة
أسّست الكوفة ، فولدت من عدم ، على تخوم البوادي العربية في محاذاة مجرى نهر الفرات الأوسط ، لضمان حماية الطريق إلى بابل ، ومنها إلى المدائن على بعد بضعة أميال شمال ـ شرقي الحيرة:موقع تواصل بامتياز بين عالمين ، وهو موقع ألفه الجيش العربي لأنه يوجد في منطقة القادسية؛ إذ تقع الكوفة على الضفة اليمنى من النهر ، على لسان رملي جاف رمادي اللون ممزوج بالحصى ، وقد رفعت قليلا عن مستوى الماء؛ ولذا فهي تستغل ماء النهر أفضل استغلال من دون أن يصيبها فيضان مياهه. كما أنها تنعم بمناخ صحي ممتع.
لا نعلم بدقة معنى كلمة «كوفة». غير أن المؤرخين والجغرافيين العرب جعلوا من هذه الكلمة ، كما هو شأنهم مع كلمات أخرى ، اسم جنس يدلّ على كل أرض رملية منبسطة. على أن الكلمة لم تكتسب هذه الدلالة إلا بعد بناء المدينة. أما ماسينيون فقد أعاد كلمة «كوفة» إلى الأصل السرياني «عكولا» ، مستندا في ذلك ، بخاصة ، إلى رواية صينية ؛ وفي نص للطبري يحدد المؤرخ موقعا يدعى عكول ، بين الفرات ومنازل الكوفة ، ومن المحتمل أن يكون شمال هذا المصر. ولعلّ الأقرب إلى المنطق أن يكون أصل الكلمة في السريانية هو «كوبا» (راجع : سركيس Sarkis) ، في مجلة سومر ، ١٩٥٤). وحده ، سيف بن عمر يذكر في نص له معلومات مفصلة عن أول استقرار وعن تخطيط المسجد والقصر ، وتوزيع الأراضي على القبائل والعشائر وفروع القبائل التي تألّف منها جيش المدائن(راجع : الطبري ، تاريخ ، طبعة القاهرة ، الجزء الرابع ، ص ٤٠).
لكن هذا النص يجب أن يقرأ ويفهم على ضوء نصوص تاريخية وجغرافية أخرى. ففي أول الأمر جرى وضع حدود لمدى الحيّز العمومي ، الذي ينبغي له أن يضم المسجد وقصر الوالي ، وأن يصبح النقطة المركزية التي منها تتسع المدينة وتنتشر أبنيتها الأخرى. فالمناهج أو الشوارع الخمسة عشر التي تفصل خطط القبائل ، ويبلغ عرض كل منها أربعين ذراعا ، يبدأ أولها من هذه المساحة المركزية. وعلى طول المناهج الخمسة لناحية الشمال ، استقرت قبائل سليم وثقيف وهمدان وبجيلة وتغلب وتيم الاّت؛ ولناحية الجنوب قبائل أسد والنّخع