وكندة والأزد؛ ولناحية الشرق ، الأنصار ومزينة وتميم وأسد وعامر ومحارب؛ ولناحية الغرب قبائل بجيلة وجديلة وجهينة. هذه اللوحة تخالف رواية للبلاذري عن الشعبي (فتوح ، ٢٧٦) بأن اليمنيين جميعا كانوا لناحية الشرق بين المسجد ونهر الفرات ، وأن النزاريين كانوا إلى الغرب؛ وهو حديث لا تؤيده دراسة طوبوغرافيا الكوفة ، على نحو ما تظهر من خلال الروايات عن الثورات الكبرى التي حدثت في القرن الأول ه / القرن السابع م. لكن من المؤكد أن تغييرات كثيرة جرت مع تطور الأحداث لتغير وجه الجغرافية القبلية المرسومة في تلك اللوحة : فتميم نزحت مع عبس من الشرق إلى الغرب؛ ومسألة القبائل الكبيرة كربيعة وبكر وعبد القيس تبقى مطروحة. انتقل قسم كبير من قبيلة بكر إلى البصرة ، وبقي قسم منهم في الكوفة ، كآل ذي الجدّين. أما عبد القيس الذين استقروا أول الأمر في البصرة ، فقد انتقل معظمهم إلى الكوفة في عهد الخليفة علي ليعودوا إلى البصرة مرة أخرى العام ٤٠ ه٦٦٠/ م.
على أية حال ثمة سمات ميّزت تموضع القبائل في الكوفة : استقرار القسم الأكبر من المقاتلة ـ وليس قطعا جميع المقاتلة ـ العرب ، الذين سبق أن قاتلوا جيش الساسانيين؛ عدم تجانس البنية القبلية ، خلافا لما كانت عليه الحال في البصرة؛ وجود أكثرية من مضر وقيس ، تكوّنت إما من القبائل البدوية الكبيرة (تميم ، أسد) ، وإما من عشائر الحجاز (ثقيف ، سليم ، جهينة ، مزينة) ، مع وجود بارز لأقلية يمنية كبيرة لا وجود لها في أماكن أخرى ، حتى إنه يصحّ التساؤل عما إذا لم يكن في الكوفة الأولى أكثرية يمنية تحوّلت في ما بعد إلى أقلية كانت تزداد ضعفا. وقد ذهب بعض الكتّاب المعاصرين إلى حدّ الجزم بأن تخطيط الكوفة صمّم كي تحتضن المدينة هؤلاء المهاجرين البعيدين ، بالإضافة إلى المهاجرين من الحجاز ، أكثر مما صمّم لتستوعب الآخرين (راجع : Martin Hinds,«Ku?fan Political alignments»,International Journal of Middle East Studies,II,١٩٧١,. ٣٤٦/٤٧). وكان للقبائل اليمنية المحض (حمير ، همدان ، حضرموت ، مذحج) وجود كثيف فيها ، إلى جانب القبائل الأخرى الحديثة العهد باليمنية(ولا سيما كندة وبجيلة ، وكذلك طيّ وأزد السّراة). وقد غدت قبيلة همدان أكثر عددا من القبائل اليمنية ، وحتى أكبر من القبائل الأخرى ، بالرغم من أن هذه القبيلة لم تكن قديمة الوجود في الكوفة ، كقبائل مذحج وبجيلة وكندة ، بل إنها تكوّنت في معظمها من المهاجرين الجدد الذين وفدوا إليها(الروادف)في عهد عثمان وعلي ، وربما في عهد معاوية أيضا. يبقى أن العنصر اليمني سيكون حاسما في