مفتوحا ، رحب المساحات ، تنتظم فيه صفوف الخيام التي يمكن نصبها واقتلاعها بسرعة ، إنفاذا للبعثات العسكرية. بعد ذلك بوقت قصير ، عندما هدأت المعارك مع الفرس ، برزت الحاجة إلى الاستقرار والمزيد من الثبات في الأرض؛ لذا استبدلت الخيام ببيوت من القصب المتوافر بكثرة في المنطقة. في المرحلة الثالثة تمّ استبدال هذه البيوت القصبية بدور مبنيّة باللبن أو الطين المجفف والمقطّع في أشكال مستطيلة ، وذلك في عهد المغيرة بن شعبة (٢٢ ـ ٢٤ ه٦٤٢/ ـ ٦٤٤ م). هذا ما قاله ياقوت ، ونقله عنه ماسينيون ، لكنه يخالف حديثا رواه سيف ، يقلّص المراحل ، إذ يقول إن بناء الكوفة باللبن والطين ، كان مقررا منذ العام ١٧ ه/ ٦٣٨ م بل منذ ما قبل التخطيط. ولعل هذا البناء كان قد بدأ قبل عهد المغيرة ، ثم تعمم في عهده واستكمل. وأخيرا ، استخدم في عهد زياد (٥٠ ـ ٥٣ ه٦٧٠/ ـ ٦٧٣ م) الآجرّ المشوي في بناء المسجد ، وقصر الوالي المحاذي للمسجد ، من جهة الجنوب ، وذلك في مرحلة أولى؛ ثم استخدم في مرحلة ثانية ، في بناء الدور أو البيوت الأرستقراطية. وقد أنفقت أموال طائلة في بناء المسجد على نحو هندسي طبعه بطابع عمراني مخصوص : فقد جيء بمواد البناء من الأهواز لبناء الأعمدة ، واستجلب البناؤون من الفرس والآراميين. فأخذت الكوفة تتحوّل إلى مدينة مشيّدة ، وبدأت تتشكل ، في عهد هذا الوالي ، ملامح المدينة وتتخذ طابعها الأساسي الذي لم يتغيّر إلا في نهاية العصر الأموي ، وبداية العصر العباسي.
لم تكن الكوفة ، زمن الأمويين ، محاطة بالأسوار. وكانت هذه المدينة دائرة لا تتعدى ألفي متر. وكانت نواتها العمرانية المركزية تتألف من جامع وقصر محصّن ورحبة أو ميدان تقام فيه الاحتفالات ، وأسواق بنيت في عهد خالد القصري (١٠٥ ـ ١٢٠ ه٧٢٣/ ـ ٧٣٧ م) لكنها كانت متخصصة منذ ما قبل ذلك. ويرى ماسينيون أن هذه الأسواق كانت نموذجا حذت حذوه أسواق بغداد؛ ويجوز القول إن هذه الأسواق كانت نموذجا للأسواق في كل المدن الإسلامية في القرون الوسطى ، وتميّزت بقببها وهيكلة اختصاصاتها التجارية ، حيث يحتلّ قطاع الصيرفة وتبديل العملات موقعا متميّزا؛ إذ كان الصيارفة يتعهّدون الوالي بالإنفاق ، كما يموّلون الحركات الشيعية. من هذا الوسط المركزي العمراني ، تبدأ الخطط وتوزّع حصص القبائل ومواقعها التي تشكّل معظم أبنية المدينة. على أن ثمة قطائع ، أو حصص فردية ، منحت منذ العصر الأول ، كهبات استثنائية للصحابة وبعض الأشراف الذين ابتنوا فيها بيوتهم؛ وغالبا ما كانت هذه البيوت قريبة من المركز ، وسط المدينة. ويذكر اليعقوبي قائمة من خمسة وعشرين دارا