عمليا. في أواخر القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي ، حدثت الثورة الإسماعيلية الكبرى ، وكان مهدها الكوفة ، وكان من تجليات هذه الثورة عنف القرامطة وآثاره المدمرة. وكانت الكوفة ، على فترات متعاقبة ، هدفا لهجمات القرامطة ونهبهم في الأعوام ٢٩٣ ، ٣١٢ ، ٣١٥ ، ولم يكن بإمكان الكوفة أن تتعافى من آثار تلك الهجمات. وهذا ما يفسّر نشوء النجف ومشهد علي ، العام ٣٣٤ ه٩٤٥/ م ، على مقربة منها ، بفضل المساعدات التي قدّمها بنو بويه ، وبروزهما عنوانا للتديّن الشيعي الذي بدأ ، منذ القرن الثالث / القرن التاسع ، يميز الكوفة التي تكثفت فيها الرمزية الدينية الشيعية. ولكن في الوقت نفسه ، اندثرت الكوفة العربية القديمة التي لم تتماه مع الظاهرة الشيعية. وبذلك انهار النظام القبلي المديني ، في وقت بدأت فيه «البدونة الجديدة» (العودة إلى البداوة) ، أو بدأ ، على أية حال ، يتعاظم تهديد العالم البدوي الجديد ، للمدى العراقي العربي. ففي العام ٣٨٦ ه٩٩٦ / م أقطع بهاء الدولة الكوفة إلى سيّد بني عقيل. وسيطر على الكوفة بنو أسد وطيّ الذين بقي قسم كبير منهم خارج الإطار المديني ، ولكن على تعايش وثيق مع المدينة ، وكذلك بنو شمّر الوافدون الجدد على الساحة ، فأتلفوها. فكان بنو أسد ، هؤلاء ، جزءا من انهيار الكوفة التي غدت تحاكي بابل وأور ولاغاش Lagash وتستحيل مواتا مثلها. وأسد أولئك (وهم غير أسد الذين كانوا مستقرين في المدينة)كان النّحاة في الكوفة يأخذون عنهم ، بمنهج إثنولوجي حقيقي ، الكلام السليم والنطق الصحيح والعبارة الفصيحة بوصفها درعا يحمي أصالة هويتهم. في العام ١١٠١ / ٤٩٥ ، عندما بنيت الحلة ، فقدت الكوفة أهميتها إلى الأبد ، وهجرها معظم أهلها. ويصفها ابن جبير(٥٧٨ ـ ٦١٤ ه١١٤٤ / ـ ١٢١٧ م)الذي زارها في وقت لاحق ، بأنها مدينة مهجورة خربة ، ما زال فيها قليل من السكان ، يتعرضون على الدوام لغزو قبيلة خفاجة(رحلة ، طبعة بيروت ، ١٩٥٩). كل العمران المشيد بين الجامع والفرات استحال دمارا وخرابا ، وهو اليوم بساتين وأراض مزروعة ، كما يقول ابن جبير. ويقول أيضا إن الجامع المركزي ما يزال منتصبا بسقوفه العالية وأعمدته الداخلية وقاعة الصلاة بأقسامها الخمسة ، وآثاره المقدسة حيث تتجاور أساطير الشيعة وأساطير بابل القديمة التي ورثها الإسلام : مصلى إبراهيم ، محراب علي ، تنّور نوح ، قبر مسلم بن عقيل(أو ما يقال إنه قبره). وعندما استتب الأمر للمغول في العراق وأخضعوه لسلطانهم ، كتب المستوفي القزويني إلى أمير المغول كتابا (نزهة القلوب)يتضمن وصفا لجميع موارد البلاد. ويذكر في الكتاب أن الكوفة