ملحق (٢)
اليمنيون في الكوفة في العهد الأموي (*)
ليست الكوفة ، في الوعي التاريخي الغربي ، سوى اسم لمدينة إسلامية قديمة ، لا مجال لمقارنتها بمدينة بغداد أو بمدينة مكة أو سمرقند أو حتى البصرة. وفي الوعي الثقافي العربي الإسلامي اليوم أن الكوفة ، وهي المقابلة للبصرة في علاقة جدلية بينهما ، كانت مركزا ثقافيا ومدرسة لغوية وفقهية ، لا يوجد فهم لواقعها التاريخي ، إلا من زاوية ثقافية ، وبوصفها مرحلة من مراحل التطور الثقافي الإسلامي.
ولم يولد إلا مؤخرا تصور جديد للتاريخ الإسلامي ، مبنيّ على قراءة دقيقة للمراجع ، جرت في نطاق ضيق ضمّ بعض المستشرقين ، وضمّ بخاصة جيلا جديدا من المؤرخين من أصل عربي؛ نذكر منهم صالح أحمد العلي وشعبان ، وأعمالهما التي تنم عن وعي تاريخي لا سابق له ، كما تنمّ عن مدى أهمية العوامل الاجتماعية السياسية في تطور الإسلام الأول؛ فقد وجد هذا الإسلام نفسه مرغما على الخروج من القيد الديني المزدوج الذي كان ، حتى ذلك الوقت ، مقيدا به : إذ هو في نظر المستشرقين رسالة سماوية وتاريخ ديني ، وهو في نظر المسلمين تاريخ مقدس ومنطلق كل المعاني والدلالات المستقبلية.
هكذا انتقلت مسألة الوحي والرسالة السماوية إلى المحل الثاني لتخلي المحل الأول للظاهرات الجماعية الكبرى : توحيد الجزيرة العربية تحت هيمنة دولة المدينة[يثرب] ، حركة الهجرة الضخمة التي قام بها العرب إلى خارج جزيرتهم واستقرارهم في البلدان التي احتلوها ، التدمير الكلي أو الجزئي للإمبراطوريات السابقة ، مشكلة تعايش المهاجرين العرب في ما بينهم ومع الشعوب الأصلية ، كيفية إدارة أوسع إمبراطورية في العالم ، .. إلخ. من هذا
__________________
(*) منشور في : Journal of the Economic and Social History of the Orient,١٩٧٦,vol. XIX, Part II.