فيها ، فهي عشيرة أبي موسى الأشعري الذي لعبت ذريته المتكاثرة في الكوفة ، كما في البصرة ، دورا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا مرموقا (١). وقد جاء زمن انتقل فيه الأشاعرة إلى قم التي غدت فرعا ثقافيا وفكريا من فروع الكوفة وسط بلاد فارس.
في النواة المدينية ، اليمنية القديمة ، ينبغي أن ندرج جماعة يمنية أصيلة ، لكن هامشية بسبب دينها ، هي جماعة بلحارث من نجران. هؤلاء عقدوا صلحا مع النبي فأبقاهم على دينهم ، ولكن فرض عليهم جزية فادحة. غير أن عمر اتهمهم بالعودة إلى الربا فنفاهم من الجزيرة العربية إلى سوريا والعراق. كانوا يعدون أربعين ألف نسمة. وكانت السلطة فيهم للمسيحيين اليعاقبة الذين كانوا أكثرية ، وكانت اليهود أقلية فيهم. واستقر معظم النجرانيين في الكوفة وفي ضواحيها القريبة ، في المكان المعروف باسم النجرانية (٢) ، وانخرطوا في حياة المدينة (٣). وفي عهد معاوية ، دخل عدد كبير منهم في الإسلام. أما الذين بقوا على دينهم ، وكان يقودهم العاقب والأسقف ، فقد شكلوا طائفة ارتبطت بعهود ومواثيق مع سلطة الدولة. وقد عانت هذه الطائفة من التشتت ، ومالت إلى التشرذم ، أو على الأقل ، إلى الضعف العددي. غير أن قيادة هذه الطائفة كانت في الكوفة ، وكانت تشكو وتتظلم ، وفي مقدّم مطالبها ، إعمال العدل في الضرائب (الجزية)التي تدفعها وتكييفها مع الظروف والأوضاع المستجدة. وعند ما لاحظ عمر بن عبد العزيز أن النجرانيين انخفض عددهم إلى عشر ما كانوا عليه ، خفض الجزية المفروضة عليهم إلى ٢٠٠ حلّة (الجبة اليمنية)بدلا من ٢٠٠٠ حلّة كما كانت سابقا. واتبع يوسف بن عمر معهم سياسة الشدة التي كان ينتهجها الحجّاج ، أما أبو العباس السفاح ، أول الخلفاء العباسيين ، فقد اعتمد سياسة معتدلة ، رسّخها بعد ذلك هارون الرشيد الذي أخرجهم من حكم العمال وألحقهم بحكم بيت المال ، إسوة بباقي المسلمين.
__________________
(١) جمهرة ، ص ٣٩٨.
(٢) البلاذري ، فتوح ، ص ٧٧.
(٣) يرى ماسينيون أنهم كانوا يدربون العرب الآخرين على الأعمال المصرفية؛ وهذا يعني أنهم عادوا إلى ممارسة الربا. إلا أننا نمتلك الدليل على أنهم كانوا في عهد عثمان ، يمارسون الأعمال الزراعية ، وكانوا يتمتعون بنوع من الحصانة في الداخل والخارج : البلاذري ، ص ٧٨.