ـ ٣ ـ
إنهاء فتح العراق
وتنظيم السواد
(١٦ ـ ١٧ ه / ٦٣٧ ـ ٦٣٨)
تلاحقت الأحداث بعد القادسية ، وجرى فتح سريع نسبيا ويسير شمل السواد كافة ، وطرد الفرس من العراق ، وأقيم نظام الأراضي والبشر ، وأنشئت أخيرا الكوفة والبصرة. وقد تطلبت كل هذه الإنشاءات سنتين أو ثلاثا ، اعتبارا للسنة التي تم خلالها استقرار الأمور وتهيئتها ، نعني سنة ١٧ أو ١٨ من الهجرة. وكما كان الأمر بخصوص الفترة السابقة ، فإن المادة التاريخية المتوافرة لدينا تختلف في كثير من التفاصيل. لكن الوقائع الجوهرية الثلاث : الاستيلاء على المدائن ، واحتلال جلولاء وطرد الفرس إلى النجد الإيراني ، وإنشاء الكوفة ، وردت في الروايات المتواترة كلها.
قسّم كايتاني (١) كعادته هذه المادة إلى رافدين كبيرين : الروايات المدنية (ابن اسحاق والواقدي) التي كانت مفضلة لديه ، والروايات العراقية المرتكزة على سيف بن عمر ، وهو يرفضها إن صح القول. فهو يعارض بين رواية عراقية متلونة قطعا ، حية أيضا وحماسية بالخصوص ، لكنها تمتاز بالأخطاء في التواريخ وبتضخيم الأحداث البسيطة ، ويراها في جملتها تمجيدا خرافيا للأحداث العسكرية ، وبين الروايات المدنية الجافة ، الهزيلة ، المضطربة ، ولكن المتميزة حسب رأيه بمصداقيتها. هذا وإن هيل (٢) يجاري كثيرا وجهة نظر كايتاني وقد انتقد بالخصوص التسلسل الزمني الرديء لسيف وانحيازه للكوفة وهما أمران بديهيان بخصوص فتح الجزيرة ، هذا الفتح الذي جعل منه سيف امتدادا فوريا للعمليات بالعراق. إن نقائص سيف بديهية ، فوجبت الحيطة بشأنها. لكنه يتميز بتماسك الرواية كما يتميّز بثراء المادة الاخبارية. وعلى النقيض من ذلك ، فقد اتسمت روايات عراقية أخرى
__________________
(١) Caetani, Annali, III, ٢, pp. ٣١٧ ff, ٩١٧ ـ ٢٣٧, ٤٣٧ ـ ٢٥٧.
(٢) Hill ,Termination of Hostilities ـ ـ ـ ,p.٤٩.