في المدائن وجلولاء يكتسب أهمية بالنسبة لتقسيم الغنيمة وإسناد أراضي الفيء (١). هذا يعني أنه ينبغي مجاراة سيف بحذر ويقظة أيضا.
وبذلك نصل إلى طرق نقطة أخرى كذلك هي أنه كان للعرب رغبة ملحة في الاستيلاء على الكنوز الساسانية. وخشية أن تفلت منهم هذه الكنوز بعيدا داخل الأرض الإيرانية ، اندفع العرب إلى التعجيل بالمرحلة الأخيرة المتمثلة في الاستيلاء على المدائن وكذلك إلى ملاحقة الجيش الفارسي بجلولاء وحتى حلوان. وبتهيئتهم المراحل (في بابل ، وساباط ، وبهرسير والمدائن) ، أثبتوا جيدا ما كان لهم من حيطة في التوغل العسكري ، ويدل هذا الأمر كذلك على وجود مقاومة فارسية ما ، قصد بها حماية فرار ملكهم وكنوزه. وتم هذا الفرار على مراحل أيضا ، فانطلق الملك من المدائن إلى حلوان ، ثم من حلوان إلى الجبال ، كأن هذا الملك كان يترقب حدوث معجزة ، أو كان يعقد بعض الأمل على رجاله. إذ لو اقتصر الفرس على مجرد حماية كنزهم لما ترقبوا أن يباغتهم العرب في المدائن. المؤكد أن الفرس أعادوا تجميع قواتهم في فترة أولى ـ لتشتت أكثرها ـ وحاولوا تعطيل التقدم العربي إلى أقصى حد ، لكن فوجىء الملك في المدائن ، ففر تاركا جانبا مهما من ماله. ومع هذا فلم يتردد في مواجهة العرب من قلعة أخيرة ، نعني الجيش المعسكر بجلولاء. كان على هذا الجيش أن يحمي فراره ، ويقطع الطريق على غزو محتمل للتراب الإيراني ، وأن يقاتل في آن واحد من أجل الكنز الملكي أو ما تبقى منه.
أما بخصوص التوقيت ، فلم يتمكن سيف إلا بعسر من التوفيق بين تأريخه المبكر لحرب القادسية في ١٤ ه والاستيلاء على المدائن في صفر سنة ١٦ ه (٢). ولذا أرّخ ، حسب ما ورد لدى الطبري ، أكثر الأحداث التي جدّت بين وقعتي القادسية والمدائن في سنة ١٥ ه. ولا شك أنه أفاض القول بسبب ذلك في عبور سواد الفرات في حين أن الرواية توحي بنفاد صبر الجيش العربي. ويقول الطبري أيضا أن ابن اسحاق والواقدي أرّخا هذه الأحداث بالذات في سنة ١٦ ه (٣) ، وبذلك كان عليهما أن يوجزا القول فيها. واتفق جميعهم باستثناء خليفة بن خياط الذي اعتمد تواريخ كانت محض خيال (٤) ، اتفقوا على
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٥ ، وج ٤ ، ص ٢٠ ـ ٣٢ ؛ البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ؛ أبو يوسف ، كتاب الخراج ، ص ٣٢. أما بخصوص الأقوال المنسوبة إلى عمر والمتعلقة بأبناء سبايا جلولاء الذين سيحضرون وقعة صفين ، فليراجع الدينوري ، الأخبار الطوال ، ص ١٢٩.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٨.
(٣) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٦١٨.
(٤) التاريخ ، ج ١ ، ص ١٠٧ حيث أرخ وقعة جلولاء في ١٧ ه / ٦٣٨ م.