روى سيف أن «كل المسلمين فارس مؤد» (١). وذلك قد يعني أن المشاة ينتمون إلى صفوف الأساورة والحمراء. وبقي سعد مع أكثر الجيش ، في المؤخرة على عادته ، لكنه كان يلحق بانتظام بالمقدمة.
تكللت المرحلة الأولى في نرس (٢) بنصر صغير على بصبهري. وفي بابل وهي المرحلة الثانية تجمعت بقايا القادسية ممن أفلت من القتل مع قادتهم وهم : النخيرجان ، ومهران الرازي ، والهرمزان ، والتحق بهم بصبهري ، وتولى عليهم الفيرزان قائدا أعلى ، وكان سابقا منافسا لرستم (٣) ، واتضح بذلك العزم الفارسي على التصدي. ولم يعتقد زهرة أنه كان يستطيع هزمهم بمفرده ، فطلب المدد من سعد الذي وجه إليه عبد الله وشرحبيل ، ثم هاشما مع باقي الجيش الذي وصل بعد أن تم النصر (٤). كان نصرا سريعا ، تفرق بعده أكثر القادة الفرس ، فجارى كل واحد منهم أطماعه أو انساق وراء المصلحة المحلية للإقليم الذي كان يمثله. فعاد الهرمزان إلى الأهواز ، ورجع الفيرزان إلى نهاوند لاستغلال موارد هذا الإقليم. وبقي النخيرجان ومهران وحدهما للدفاع عن المدائن (٥). ويدل تفكك القيادة هذا على عدة عوامل ، منها أن السلطة الملكية تلاشت تماما أو كادت ، وأن الاقليمية عادت إلى الظهور في عالم إيراني منحلّ مهدد ، وقد تأكدت دون شك حال انفجار أزمة الخلافة على الملك ، وبلغت طلائع الجيش العربي بهرسير غرب دجلة بعد صدام قصير في كوثى. وتجدد المشهد ذاته في مواطن القتال الأخرى إذ حالما وصل زهرة مع مقدمة الجيش إلى ساباط ، طلب دهقانها الصلح ، بعد أن قضى زهرة على الكتيبة الخاصة لكسرى بوران ، ولحق به هاشم وخاض القتال (٦) ، وأخيرا وصل جميع الفرسان المرافقين لسعد أمام بهرسير وضربوا عليها حصارا دام شهرين (أواخر سنة ١٥ وبداية سنة ١٦ من الهجرة) (٧). وخلال هذا الحصار اكتسح الجيش العربي السواد فيما بين الفرات ودجلة ، ولعل الاتفاق قد تم أثناءه بخصوص وضع الفلاحين وأراضي هذه المنطقة.
__________________
(١) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٦١٩.
(٢) خليفة بن خياط ، التاريخ ، ج ١ ، ص ١٠٣ ، لا برس بالباء كما جاء بطبعة القاهرة ل تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٩. ذكر خليفة أن الطريق المسلوكة هي نرس ـ دير كعب ـ كوثى. وقد ذكر البلاذري مرتين كوثى وساباط : فتوح البلدان ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، لكن لم يتحدث أي واحد منهما عن بابل.
(٣) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦٢٠.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٣ ، ص ٦١٩.
(٥) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦٢٠. في الامكان أن يكون لكل قائد جيش خاص به.
(٦) الطبري ، ج ٣ ، ص ٦٢٢ ـ ٦٢٣ ؛ فتوح البلدان ، ص ٢٦٢.
(٧) الطبري ، ج ٤ ، ص ٥ ؛ فتوح البلدان ، ص ٢٦٢ ، حيث جاء في رواية غير مقبولة أن الحصار استمر مدة تتراوح بين تسعة أشهر وثمانية عشر شهرا. والملاحظ أن الملك كان بالمدائن آنذاك.