مبالغاته في هذا الصدد. ثم بدأ تقتيل الفرس ، واستولى العرب على غنيمة مهمة وحتى على بيت المال الساساني ذاته (١) ، وقد ألحت بعض الروايات على سبي النساء ، وروي أن نساء جلولاء كنّ بداية للتمازج العربي الفارسي (٢). ويفهم من التأكيد على هذا الحدث بأن الفرس كانوا دائما يعملون على إبعاد نسائهم عن أطماع الغزاة ، ويبدو أن أكثر النساء أبعدن على عجل إلى خانقين التي تم الاستيلاء عليها بعد قليل. ينبغي تسمية مجموع العمليات التي حدثت ما بين معركة المدائن والاستقرار بالكوفة بمرحلة جلولاء وهو اسم الحدث الرئيسي ، وذلك بالنسبة للإطار المتعلق بالغنيمة ، واستحقاقها ، وبخصوص كل امتياز معنوي أو قانوني : هذا ما توحي به النصوص ظاهرا.
ماذا كانت هذه العمليات؟ لنقل بداية إن استيلاء جرير على خانقين ، وسيطرة هاشم على سواد شرقي دجلة هما حدثان لا مجال للشك فيهما (٣) ، على أن احتلال حلوان وشرقي الجزيرة يطرح مشكلا. إن البلاذري هو الذي يبرز نشوب معركة خانقين (٤) ، كما أوضح بدقة أكبر من دقة سيف ، دور هاشم في إخضاع شرقي السواد ، وقد كان عملية استيلاء أكثر منه عملية عسكرية. هذا السواد الشرقي كان له الاتساع ذاته وسواد الفرات ، وقد أثر فيه كثيرا الحضور الساساني وذكريات هذا الحضور والإنجازات المعمارية الساسانية ، وهو يضاهي في الثراء الزراعي السواد الآخر. وقد أسر ١٣٠ ألفا من فلاحي هذه الجهة ثم أخلي سبيلهم سريعا (٥) كما سنرى ، وبذلك عاد الفارون إلى قراهم.
أما حلوان ، المدينة الفارسية ، مدينة الجبال المشرفة على الفج والتي تمر منها الطريق الكبرى نحو الشرق ، فقد غادرها الملك بعد وقعة جلولاء متوغلا داخل البلاد. فهل استولى عليها القعقاع لكي يقيم فورا ثغرا أي حامية خارج الميدان المفتوح لكنها ساهرة على أمنه ، والثغر عبارة عن امتداد ، وهو بالمعنى الحرفي ثلمة (ينبغي سدها) وبمثابة المدينة الحدودية المطلة على العدوّ والمغايرة للمصر أو المدينة ـ المعسكر؟ إن سيفا يعلن ذلك (٦) كما أن المصلحة الاستراتيجية تتطلب مثل هذا الأمر ، ولم ينبس البلاذري بكلمة عن ذلك لكنه
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٩ ؛ الدينوري ، ص ١٢٩ ؛ فتوح البلدان ، ص ٢٦٥ ؛ خليفة بن خياط ، ج ١ ، ص ١٠٨. كانت الغنيمة مهمة جدا.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٨ : سبيت أم الشعبي بجلولاء ؛ الدينوري ، ص ١٢٩.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٢٨.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥.
(٥) الطبري ، ج ٤ ، ص ٣٠.
(٦) المرجع نفسه ، ص ٢٨.