ـ ٦ ـ
الكوفة الأولى (١٧ ـ ٢٤ ه / ٦٣٨ ـ ٦٤٤)
هل كانت مجرد معسكر أم مدينة حقيقية؟
يكون انطلاقنا من نص رئيس كتبه لويس ماسينيون (١) ، واستعرض فيه مراحل التمصير معرفا إياه بأنه «الانتقال من مرحلة تجمع المعسكرات إلى مرحلة التوزيع على حارات في المدن». ثم أضاف : «من المعلوم أن الكوفة ، بعد سنة ١٧ ه (ـ ٦٣٨ م) ، لم تكن خلال السنوات الخمس الأولى من إنشائها ، سوى مجرد تجمع من خصاص القصب (ـ أكواخ منطقة وهران) ، يقام بين حملتين بصورة مؤقتة (استمرت النساء في مصاحبة الرجال إلى الحرب). وأثناء ولاية المغيرة (التي امتدت من ٢٢ ه إلى ٢٤ ه) ، ظهرت مواقع الخيام المصففة ، بصورة دائمة ، في شكل حيطان صغيرة من لبن. وبداية من سنة ٥٠ ه / ٦٧٠ م) وقع أخيرا الشروع في بناء دور حقيقية من آجر ، وكان ذلك في ولاية زياد».
فالأمر واضح لا مراء في ذلك : يرى ماسينيون أنها كانت إقامة عسكرية في البداية ، غير مستقرة ، ويفسّر ضعف الاستقرار كذلك بأن الكوفيين بذلوا نشاطا واسعا في منطقة الجبال. واستقر القوم بعد معركة نهاوند تماما (٢١ ه / ٦٤٢ م) ، وبذلك عوضت الخيام ببيوت من لبن. ويمكن أن تكون «المناهج» وحدها هي التي ابتنيت فحدّدت بحيطان صغيرة
__________________
(١).op.cit.,pp.٨٣ ـ ٩٣. لقد اعتمد ماسينيون ياقوتا واقترح عبارة «جدران صغيرة من لبن». لكن لا نجد لها ذكرا عند هذا المؤلف (معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١). وخلافا لذلك ، لعلّه اقتبس هذا الرأي من الشيخ علي الشرقي الذي نشر سنة ١٩٣٢ ، مقالا عنوانه «عروبة المتنبي» ، في مجلة الاعتدال الصادرة في النجف. وقد اقتطف منه البراقي نتفا ، ص ١١٧ وما بعدها. وتتفق هذه المقتطفات اتفاقا واضحا مع رأي ماسينيون على الأقل بالنسبة لهذا القسم ، مما يحمل على الاعتقاد أن ماسينيون قد اطلع عليه بالرغم من تأكيده العكس. ويمكن أيضا التساؤل في خصوص نقاط أخرى كثيرة ، فيما إذا كان ماسينيون اقتبس منه الكثير. وإلّا فإن البراقي يكون قد اقتبس عن بحث ماسينيون ، المؤرخ في ١٩٣٤ دون ذكر اسمه ، علما أن مؤلّف البراقي نشر سنة ١٩٣٨.