من لبن ، على أنّ ماسينيون يماثلها بصفوف الخيام (١). وأخيرا ، لم تشيد الكوفة حقا إلا في العصر الأموي ، خلال ولاية زياد ، حيث استخدم الآجر المعهود في بلاد الرافدين. هذا التصور جذاب حقّا وهو تصوّر تحتل فيه لوازم البناء مكانا مهما في بلورة الكوفة وتحولها إلى مدينة ، كما أن واقع الترحال العسكري يخول إضفاء صفة المعسكر والمدينة ـ المعسكر على الكوفة. وتؤيد هذا التصور القريب من المعقول إشارة وردت لدى البلاذري وجاء فيها أن أهل البصرة ، كانوا في بداية الأمر يقلعون خصاص القصب قبل الخروج إلى القتال (٢) ، ويتحدث ابن سعد من جهته في خصوص الكوفة عن الخيام وأهل الخيام كما ورد أنّ أغلب سكان الكوفة كانوا يسكنون بيوت القصب (٣). إلّا أننا لا نعثر على أي أثر في أقدم النصوص ، نعني سيفا كما رواه الطبري (٤) ، لوصف مثل هذه الطريقة البطيئة المتسقة المتبعة في بناء الكوفة قبل ولاية زياد ، أي الكوفة كما كانت في خلافة عمر ، ولم نجد أثرا لذلك في فتوح البلدان للبلاذري (٥). وتعتمد هذه الصورة تماما على خبر عارض رواه ياقوت وانفرد بروايته (القرن السابع / القرن الثالث عشر (٦). يتحدث ياقوت بالخصوص عن خصاص من قصب كانت تقتلع في كل حملة ، حين كانت النساء ترافق المقاتلة إلى الحرب ، كما يتحدث عما سنه الوالي المغيرة بن شعبة من تغيير (دون تحديد للتاريخ ، ٢٢ ـ ٢٤ ه. أو ٤١ ـ ٥٠ ه في خلافة معاوية؟) (٧) لكن مقولة ياقوت عن الكوفة ، ومقولته عن البصرة أيضا ، اقتبستا أغلب موادهما عن البلاذري. فما هو مصدر هذه الزيادات؟ سبق لصالح العلي أن لاحظ أن مصدر الفروق الطفيفة الموجودة بين البلاذري وياقوت بخصوص البصرة ، يتمثل في تآليف مفقودة ، منها كتاب الساجي خاصة (٨). لكن ما الرأي بشأن
__________________
(١) يتحدث ماسينيون بعد ذلك عما ذكره سيف من مناهج ورواه الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥ ، وسنرى ذلك ، فيقول إنها عبارة عن صفوف من الخيام. ثم يقول : «إن القائمة الوحيدة المتوفرة بخصوص صفوف المساكن يرجع عهدها إلى الفترة الأولى. كان التصفيف ينطلق من الجامع. ويشمل خمسة عشر منهجا (يعني صفوف الخيام) كما حددها سعد للقبائل» :.Massignon.pp.٤٤ ـ ٥٤. وقد أكد الشيخ علي الشرقي الشيء نفسه ، واقتبس عنه البراقي ، ص ١١٧.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٣٤٢.
(٣) الطبقات ، ج ٦ ، ص ٦ و ٧.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٠ ـ ٤٨.
(٥) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ـ ٢٧٧.
(٦) معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١.
(٧) يقع اختيار علي الشرقي وماسينيون على الفترة الأولى :.Massignon ,op.cit.,p.٨٣.
(٨) التنظيمات ، ص ٢٣ ؛ أعاد العلي إلى الأذهان ضمن ما ذكره من مصادر ، مرجع مذكور ، ص ١٥٠ ، أن مصدر البلاذري الرئيسي في خصوص الكوفة هو أبو مسعود الكوفي الذي لم يعثر له على ترجمة في أي كتاب ، لكن يبدو أنّه عاش في بداية القرن الثاث الهجري. ويعود الخبر الذي رواه ياقوت إلى إبن عباس ، دون سند وسيط : انظر