الكوفة؟ لم يصل إلى علمنا شيء من ذلك. يبدو الخبر الذي أورده ياقوت دقيقا جدا ، فلا شك أنه مستمد من مصدر معين. على أنه غير مستبعد أن يكون ما تجمع من خبر عن البصرة قد أسقط على الكوفة ، وهو ما يوحي به كتاب فتوح البلدان عند الحديث عن اقتلاع الخصاص.
وما لا يقبل الجدال أن ماسينيون اعتمد نصا متأخرا ـ هو نصّ ياقوت ـ انفرد بالخبر لرسم مسار الكوفة في أول عهدها ، باستثناء ما أمكننا الإطلاع عليه من وثائق. وبدا هذا الوصف مستندا إلى تحديد زمني لم يعد ثابتا تبعا لذلك. ولنكرر ما قلنا : الثابت في كل المصادر أنه تمّ استخدام القصب ثم اللبن ، ولا يمكن أن يكون هذا الأمر محل نقاش. وعلى النقيض من ذلك ، يتفق البلاذري والطبري على عدم التحدث بتاتا عن تفكك المعسكر عند بدء الحملة. ويأخذ كلاهما بعين الاعتبار التخطيط بمثابة الأمر الأساسي ، أي التصور الشامل المخطوط على الأرض ، الذي كاد يظهر بسرعة فائقة ، من أول وهلة ، مواكبا للبناء بالمواد الصلبة ، كما روى سيف بن عمر هذا الأمر.
مشكلة المراحل حسب البلاذري وسيف بن عمر :
إنّ لهذا النقاش أهميته كما هو واضح. ذلك أن الأمر يتعلق بالتحقق من وجود إرادة تمصيرية ظهرت منذ البداية ، وصدرت عن السلطة كما عن أهل الكوفة. ولنتساءل هل كانوا يشعرون بكنه مدينة جديدة ، وهل طرح على النظر مشكل الاستقرار ، في بداية الأمر؟ ويطرح أيضا مشكل الموازاة بين الكوفة والبصرة.
البلاذري :
نبدأ باعتماد البلاذري. فقد ذكر روايات سبعا ، تهمنا منها مباشرة روايتان ، الأولى مقتضبة وهي مدنية (عن الواقدي) (١) ، والثانية مطوّلة وهي عراقية بصرية (عن أبي عبيدة) وكوفية (عن هشام بن الكلبي) (٢) في آن واحد. وينسب الواقدي كل شيء إلى ما قام به
__________________
مجددا صالح أحمد العلي ، «مصادر دراسة تاريخ الكوفة في القرون الإسلامية الأولى» ، مجلّة المجمّع العلمي العراقي ، ٢٤ / ١٩٧٤ ، ص ١٣٧ ـ ١٧١.
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ؛ : Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٧٤٨. أورد كايتاني رواية الواقدي من خلال الطبري وابن الأثير ؛ راجع أيضا صالح العلي ، مرجع مذكور ، ص ١٤٧. لقد ألف الواقدي كتاب الفتوح ، وبقيت منه مقاطع : Fuat Sezgin, Geschichte des arabischen Schrifttums, Leyde, ٧٦٩١. ، الترجمة العربية ، القاهرة ، ١٩٧٧ ، ج ١ ، ص ٤٧٤ ـ ٤٧٦.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ـ ٢٧٦.