والدواء ، ففقدت المدينة نحو نصف أبنائها بالموت جوعا ومرضا ، وهاجر عدد من الناجين فور فتح دروب البحار إلى بلدان الأميركتين.
بعد نهاية الحرب العالميّة الأولى ، أخذت البترون تستعيد بعض نشاطها ، وعادت الحياة إلى سوقها القديمة المتأصّلة فيها ، التي تجمع بين حوانيتها عادات وتقاليد وحرفا شكّلت في الماضي موردا اقتصاديّا مهمّا.
سنة ١٩٣٩ دخل الجيش الفرنسيّ البترون واحتلّت فرقة منه المخازن والمستودعات القريبة من الشاطئ ، فحوّلتها إلى مرابط لخيلها ، وامتلأت جدرانها بالحلقات والسلاسل الحديديّة التي لا تزال ظاهرة فيها إلى اليوم.
ويروي المعمّرون أنّ الجنود الفرنسيّين عند مجيئهم إلى البترون ، كانوا يركبون بغالا عرفت ب" بغال مرسيليا" ، وقد تميّزت بأطرافها العريضة ، ولكنّ الأمر لم يتوقّف عند ضرر البغال ، بل تعدّاه إلى ما هو أثقل بكثير ، إذ سرعان ما جاءت الدبّابات بجنازيرها الغليظة التي اقتلعت في طريقها إلى الميناء الحجارة التي رصفت بها طريق السوق.
منذ ذلك التاريخ ، أخذت البترون تفقد ذلك المركز الإقليميّ التجاريّ والخدماتيّ الذي تميّزت به في السابق ، ينمّ عن هذا التحوّل الحركة الخجولة في سوقها اليوم ، وهي تقتصر على حرف بسيطة ، فالقسم الأكبر من سوق البترون القديمة تحوّل مستودعات ومخازن لا تفتح أبوابها إلّا نادرا ، ما أضفى على السوق ركودا وسكينة ، وانتقل بعض النشاط إلى الشارع الرئيسيّ للمدينة الذي شهد في النصف الثاني من القرن العشرين حقبات ازدهار وركود ، أمّا السوق القديمة فباتت عرضة لإهمال خلّف فيها آثارا واضحة على المباني التي تداعى بعضها بفعل الزمن. وكانت مديريّة الآثار قد أدرجت في برنامجها سنة ١٩٧٥ مشروعا يقضي بترميم حوانيت السوق ، وبتحويل