كانت تكسو روابي لبنان المشرفة على المدينة والداخلة في منطقة نفوذها. وأحاط الرومان بيروت بأسوار وحصون منيعة ، وابتنوا في ظاهر أسوارها أروقة كان سكان المدينة يقضون بعض أوقات الفراغ في ظلّها. أمّا في حقل العلوم فكانت بيروت قد سبقت سائر المدن الفينيقيّة في تحقيق المرتبة الأولى ، والمقول إنّ سنكنيتن قد دوّن تاريخه الشهير فيها. وكان فيها أشهر معهد رومانيّ للقانون في الأمبراطوريّة الرومانيّة خارج إبطاليا. وكانت قبلة أنظار طلّاب القانون من جميع أنحاء المشرق. وكانت دراسة القانون إحدى المتطلّبات الأساسيّة للتوظيف العالي في الحكومة. وقد خرّج معهد بيروت للحقوق كثيرين من القضاة والحكّام في المقاطعات الشرقيّة للأمبراطوريّة. ومن المرجّح أن يكون الأمبراطور سبتيموس سفيروس (١٩٣ ـ ٢١١) مؤسّس هذا المعهد. فقد أنشئ في المدينة هيكل على اسمه تخليدا لذكراه ، وكذلك أقيم له تمثال تذكاري. هذا المعهد كان أقدم معهد من نوعه في المقاطعات الرومانيّة وأشهرها. وقد عمّر أكثر من أيّ معهد آخر ، وكان يحتلّ الصدارة بين مختلف معاهد الأمبراطوريّة. وقد تحوّل إلى معهد فكريّ خلّاق ، وجذب إليه هالة من العقول الممتازة من طلّاب وأساتذة قدّموا في حقل التشريع تقدمات عظيمة للتراث الروماني العالمي : الشرائع الرومانيّة. ومن أبرز المشترعين الرومانيّين الذين درّسوا في معهد بيروت الحقوقيّ البيروتيّ عالمان مشهوران : إميليوس بابنيانوس ودوميتيوس أولبيانوس. ويظهر أنّ بابنيانوس كان من أهالي حمص ومن أقرباء جوليا دومنا زوجة الأمبراطور سفيروس ، الذي استدعاه عام ٢٠٣ ليكون مستشاره القانونيّ في روما. وقد رافق الأمبراطور ، بصفته مستشارا قانونيّا ، أثناء حملته العسكريّة ضدّ بريطانيا. وهناك في بريطانيا وهو على فراش الموت ، أوصى الأمبراطور أن يعهد بتربية ولديه كركلّا وجيتا إلى بابينيانوس ، وبعد أن تسنّم كركلّا العرش