بأبراج بنوها على طول البقعة الممتدّة من رأس بيروت إلى رؤوس الجبال حتى الشام ، وكانوا يوقدون فيها النيران للإخطار عن الهجمات في الليل ، ويطلقون الحمام الزاجل للغاية نفسها في النهار. أمّا التجارة في هذه الحقبة فكانت زاهرة في المدينة التي أصبحت بعد خراب صور وعكّا وطرابلس أوّل مرفا في بلاد الشام ، ذلك أنّ المماليك عند استيلائهم على السواحل قد خرّبوا مدائنها ليأمنوا شرّ الفرنجة ، ولكنّهم أبقوا على بيروت ، وهي ميناء الشام الحصين ، فعظم بذلك شأنها وأخذت في القرن الخامس عشر المقام الذي كان للإسكندريّة في مصر ، فاصبحت مرفا دمشق والصلة بين تجّار الفرنجة في قبرص ، وتجّار الشرق في الشام. وقد أعاد أمراء الغرب التنّوخيّون بناء أسوارها مرارا. ولمّا استقرّت أقدام المماليك في السواحل عادت العلاقات التجاريّة مع الغرب ، فاستعادت بيروت حيويّتها إذ نشات فيها القنصليّات والمحال التجارية الأجنبيّة ، وانتعشت فيها روح الثقة المتبادلة بين الشرق والغرب ، وازدهرت تجارتها إلى حين ، وعادت حركة الملاحة التجاريّة إلى مينائها العريق ، وكانت أمم الغرب تتسابق لخطب ودّها ، وكان لها جميعها علاقات تجاريّة في الشرق ، فكانت أسواق المدينة رائجة كمعرض جامع لتجارة شرق البحر الأبيض المتوسّط ، وفيها من شعوبه المتنوّعة الخلق الكثير. إلّا أن الميدنة قد تعرّضت للتخريب على يد ملك البندقية في أوائل القرن الثالث عشر ، آخذا بثأر ابنه الذي قتل فيها ، فبعث بقوّة بحريّة حطّت مراكبها قبالة الشاطئ ونزل منها الجنود وأحرقوا المدينة وهدّموا مبانيها وأوقعوا الويل باهاليها على حين غفلة قبل أن ينسحبوا. ثمّ جدّد نائب دمشق الأمير بيدمر بناء سور بيروت حوالي سنة ١٣٩٣. واستمرّ نوّاب الشام يقيمون عليها أمراء جبال الغرب لحماية ثغرها ، يساعدهم في ذلك جنود بعلبك وطرابلس وتركمان كسروان وغيرهم. إلّا أنّه في مستهلّ القرن