بعد أن أمضى الإنسان ملايين السنين ليتطوّر من مرحلة اللجوء إلى الأشجار العالية للمبيت كما لا زالت تفعل القردة ، انتقل إلى مرحلة متقدّمة نسبيّا إذ صار يلجأ إلى الكهوف الطبيعيّة والمغاور ليحتمي فيها. بخلال هذا التطوّر المديد مرّ الإنسان في عصور حجريّة ، نسبة إلى الأدوات الحجريّة التي كان يستعملها في تدبير شؤونه ، وقد قسمت تلك العصور في هذه المنطقة من العالم إلى ثلاثة : العصر الحجرّي الأوّل ، وقد اتّفق على أنّه يعود إلى حوالى ٢٠٠ ألف سنة خلت ، ثم العصر الحجريّ المتوسّط الذي يلي الأوّل ليمتدّ بين حوالى ١٢٠٠٠ و ٦٠٠٠ ق. م. إذ يبدأ العصر الحجريّ الحديث الذي استمرّ حتّى حوالى ٤٠٠٠ ق. م. ليليه العصر الحجري ـ النحاسيّ حتّى ٣٠٠٠ ق. م. ثمّ العصر البرونزيّ حتّى ١٢٠٠ ق. م. عندما أخذ الحديد يعمّ في صناعة الأدوات.
إنّ أقدم ما حفظت لنا أرض جبيل من آثار في طبقة الحفريّات الأولى ، هو أدوات حجريّة تعود إلى إنسان العصر الحجريّ الحديث ، وقد قدّر العلماء أنّ تاريخها يعود إلى حوالى ٥٠٠٠ ق. م. ، يليها أدوات لمختلف الحقبات التالية دونما انقطاع.
ينتسب الإنسان الذي عاش على هذه الأرض في تلك الحقبة السحيقة من التاريخ إلى عرق حوض البحر الأبيض المتوسّط ، الذي ينتمي أصلا إلى العرق الأبيض القوقازيّ الذي ستتفرّع عنه الشعوب الساميّة والحاميّة ، وقد دلّت الدراسات على أنّه أقدم شعب توطّن شرقيّ البحر الأبيض المتوسّط ، دون أن تقرّر المصدر الذي انتقل منه في عصور البداوة إلى لبنان. وإنّ الآثار التي وجدت لإنسان تلك العصور في كهف مجاور لينبوع داخل المنطقة الأثريّة في جبيل ، تدلّ على أنّ سكّان جبيل ، في العصر الحجريّ