الحديث وفي العصر الحجريّ النحاسيّ ، كانوا يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وصيد الأسماك وتربية المواشي. وتدلّ الأسلحة الحجريّة المكتشفة ، من خناجر ورؤوس سهام ونصال ورماح وشفرات مسنّنة ، على أنّ إنسان جبيل ، في تلك الحقبة ، كان محاربا إضافة إلى أنّه كان صيّادا ، ولا شكّ في أنّه كان يتعرّض للغزوات من قبل جماعات بدويّة كانت تجوب المنطقة طمعا بالرزق. وممّا يدلّ على أهميّة السلاح عند ذلك الإنسان ، أنّ الأدوات النحاسيّة الأولى التي صنعها إثر اكتشاف النحاس كانت أسلحة ، بينما استمرّ مئات السنين يستعمل الحجر الصوّانيّ المصقول في صناعة سائر أدواته الزراعيّة والبيتيّة. وفي الوقت نفسه استمرّ إنسان جبيل في التطوّر الحضاريّ في ذلك العصر القاسي من التاريخ ، فاستعمل الفخّار البدائيّ في صناعة أوانيه ، وراح يخزّن محاصيله كما لم يكن بوسعه أن يفعل من قبل. في الوقت نفسه بدأ يطحن الحبّ بواسطة مطاحن حجريّة تشبه الجاروش ، ويستعمل فرن الفخّار في الطهو والخبز ، لا بل راح يصنع الحلي ، وارتقى بتفكيره إلى الماورائيّات ، فنحت الصنم ، وأقام هيكلا للعبادة وجدت آثاره عند الطرف الجنوبيّ للقرية الأثريّة ، ودفن موتاه بطريقة متقدّمة ، فاستعمل النعش الذي كان كناية عن آنية خزفيّة يوضع فيها الميت بعد طيّ الرجلين حتّى تلامس الركبتين الذقن ، وزوّد الميت بما خيّل له أنّه قد يستعمله في حياته الثانية ، فدفن معه الأباريق والدنان والملاعق والخواتم والحلق ، وإذا كان محاربا دفن معه سلاحه الذي كان كناية عن خنجر نحاسيّ وخوذة حجرية. أمّا البيت في تلك الحقبة فكان كوخا محاطا بجدران حجريّة واطئة بعضها مستطيل وبعضها الآخر مستدير ، وقد فرشت أرضه بالتراب وحتات الحجارة ، أمّا السقف فكان من القشّ أو الأغصان أو الجلود.