البيت الحجري الأوّل.
يتّسم العصر الحجريّ ـ النحاسيّ بأهميّة كبرى في تاريخ جبيل. ففي هذا العصر ، وفي الطبقة الأثريّة الثانية من مكتشفات جبيل ، يظهر أثر إنسانيّ على مستوى عال من الأهميّة : البيت الحجريّ الحقيقيّ الأوّل ، الذي يقوم على شكل هندسيّ ، وقد وجدت بقاياه في الجهة الجنوبيّة الغربيّة من المدينة ، قرب القلعة البحريّة. وقد كانت تلك البيوت مستديرة الشكل ، مبنيّة بالحجر المشذّب ، على أساسات حجريّة ، وأرضها مرصوفة بحجارة مربّعة مملوء في ما بينها من فراغ بالحصى المرصوص ، وجدرانها مطليّة من الداخل والخارج بالطين ، وداخلها مقسّم إلى غرف ، والأرجح أنّ سقوفها كانت من الأعمدة والألواح الخشبيّة المغطّاة بالتراب ، وكانوا يركّزون هذا السقف على الجدران من الأطراف وعلى أعمدة خشبيّة في ما بين الجدران قائمة على قواعد حجريّة ، وقد دلّت الأبحاث العلميّة التي جرت على طبقات التربة التي كانت تقوم عليها تلك البيوت ، على أنّ زمنها يعود إلى حوالى ٣٢٠٠ ق. م.
واعتبر بعض علماء الآثار الذين قاموا بالحفريّات أنّ تلك البيوت تشكّل أقدم نموذج لبناء في الشرق ، إن لم يكن في العالم. وقد وجدت بقربها مقبرة يعود تاريخها إلى حوالى منتصف القرن الأربعين ق. م. ؛ ويبدو أنّ مركز جبيل آنذاك كان محصورا بين الشاطئ ونبع المياه الذي نسبت جبيل إليه. وكانت المدينة إذذاك قرية صغيرة جدران بعض بيوتها الخارجيّة منحنية أو مقوّسة ، وبعضها الآخر ذات جدران مستقيمة الأضلاع ، وشوارعها مرصوفة بالحجارة ومساحتها ما يقارب ٨ دونومات.
ولا يظهر ، في ما وجد من أسلحة نحاسيّة ومن أدوات فضيّة للزينة في جبيل الثانية ، أيّ دليل على أنّ هذه الصناعة كانت واقعة تحت تأثير بلاد ما