بين النهرين ، بل تدلّ على أنّها صناعة معدنيّة مستقلّة. ليس هذا وحسب ، بل قد يكون أنّ صناعة المعادن في العالم الإيجي قد اكتسبت عن جبيل. وإنّ في هذه الخلاصة التي استنتجها علماء كبار ما من شأنه أن يشكّل مفخرة للبنانيّين لأهميّة عراقة حضارتهم.
بدء الملاحة والإزدهار
ممّا يدعو للدهشة حقّا أنّ الآثار المكتشفة في مصر ، كالجسور من جذوع خشب الأرز وسواها من آنيّات ، دلّت على أنّ جبيل كانت على اتّصال بمصر في عهد الأسرة الفرعونيّة الأولى قبل أن تتّحد مصر العليا والسفلى ، علما بأنّ عهد السلالتين الأولى والثانية يعود إلى الحقبة الواقعة بين ٣٢٠٠ و ٢٩٨٠ ق. م. ؛ ومن شأن هذه الإكتشافات أن تدلّ ، بما لا يدع مجالا للشكّ ، على أنّ الجبيليّين كانوا قد بدأوا تجارتهم البحريّة قبل القرن الثلاثين ق. م. ، لا بل في هذه الإشارة إلى الملاحة البحرية الجبيليّة المبكرة ما يدعو للتساؤل عمّا إذا كان الجبيليّون الأوائل قد اختاروا مركز جبيل ، وهو الميناء الطبيعيّ ، بعد أن اكتشفوا الملاحة ، كما سيتمّ في ما بعد اختيار المرافئ الطبيعيّة ليبنوا مدن صيدا وصور وبيروت وأرواد. على أيّ حال ، فإنّ النموّ المتسارع نسبيّا لحضارة جبيل ، من شأنه أن يفيد ، من دون شكّ ، عن بحبوحة اقتصاديّة لا يعقل أن تكون قد حصلت من دون تجارة خارجيّة مرتكزة على أعمال التصدير ، ولم تكن السلع المتوفّرة مقتصرة على خشب الأرز ، بل كان هناك النحاس والفخّار البدائيّ والجلود والزيوت والطيوب ، وربّما المواشي المدجّنة حديثا ، وبذار القمح وسائر المزروعات المكتشفة في ذلك العهد. وقد دلّت آثار الحقبة الثانية في جبيل (٣٢٠٠ ـ ٣٠٠٠ ق. م.) عن علاقة المدينة التجاريّة بقبرص والقوقاز أيضا.